أمام غرفة القاضي الشرعي بدمشق تتجمع عشرات السيدات مع أبنائهن القصّر لوقت طويل، بانتظار الدخول إلى غرفة القاضي الشرعي كي يمنحهن موافقات على سفر أبنائهن خارج القطر، أو لاستخراج جواز سفر، أو الموافقة على التصرف بجزء من أموال الطفل بعد أخذ الإذن بالوصاية الشرعية المؤقّتة.
هذا المشهد وهذا العدد الكبير من السيدات مع أطفالهن الرضّع أو المعاقين أو من هم تحت السن القانوني، لم يعد غريباً بل طبيعياً في السنوات الست الماضية فكل هؤلاء النساء فقدن أزواجهن إما بالمعارك الدائرة في البلاد، أوبالاعتقال أوالخطف، ومنهنّ من هرب زوجها خارج البلاد أو إلى مناطق أخرى خارج سيطرة النظام، ومن بينهنّ أيضاً من مات زوجها فخلّف وراءه أطفالاً يقع عليها تحمّل جميع مسؤولياتهم، عدا الحق القانوني عليهم.
مشاهد يومية
امرأة مسنّة تبكي وتستنجد بالموظفين والمارّة علّهم يساعدونها بإجراءات روتينية إدارية من توقيع أوراق ومعاملات وتنقلات بين الدوائر في قصر العدل وغُرفه، ويتكئ عليها ابنها المعاق والذي يقع تحت وصايتها، لكنه يحتاج في كل معاملة إلى موافقة من القاضي الشرعي فلا يمكن أن تعطى لها وصاية دائمة وإنما مؤقتة وحسب، ولِأمرٍ محدد بعينه من استخراج جواز سفر أو موافقة على الخروج خارج الحدود السورية أو موافقة على استخدام جزء من مال ابنها الموروث عن والده، وأمام هذا الواقع هناك من يساعد وهناك من يتهرب إما نتيجة قلة معرفة أو ضيق الوقت أوعدم وجود الدافع الأخلاقي.
امرأة أخرى تحمل على صدرها طفلها الرضيع، مظهرهما يوحي بالفقر، فلا غطاء يستر به جسده أو رأسه، ويبدو التعب والإرهاق على الأم ورضيعها، لكن الانتظار لساعات هو ضرورة لا بدّ منها لتتمكن من توقيع المعاملة والحصول على موافقة القاضي الشرعي على وصايتها المؤقتة لابنها، والتي ستتكرر في كل إجراء تقوم به يخص الطفل.
تراكمات قوانين بالية
هذه الفوضى والإشكاليات هي تراكمات قوانين بالية لا تزال رهينة الحكومات التي تأبى أن تلحق بركب القوانين المدنيّة، وتصرّ على ربطها بالدين والفتاوى والشرع.
قبل اندلاع الثورة السورية كانت هناك مجموعة من القوانين المهترئة التي تسيء للمرأة والمجتمع، لكن مع اشتداد النزاع المسلّح ظهرت المشاكل بشكل أكبر بما يؤذي الأسرة والإنسان ويزيد الأعباء الماديّة على الأسر، ككل القوانين التمييزية التي تصنع منها الحرب سكيناً ذو حدّين على المرأة والمجتمع ككل.
اشتراط الذكورة
لا يمكن إعطاء المرأة السورية الحق بالوصاية الدائمة على أولادها، فالوصاية هي وصاية شرعية مؤقتة لإنجاز فعل محدد بالذات، ففي السفر تعطى الأم الوصيّة الموافقة المؤقتة لفترة محددة لا تتجاوز الثلاثة أشهر من القاضي الشرعي، ولا تتجاوز الشهر من الهجرة والجوازات، أي أنها معاملة تحتاج للكثير من التواقيع داخل قصر العدل وخارجه، بالإضافة إلى إثباتات بعدم وجود وصي ذكَر من جدّ أو عم أو أخ أكبر للولد القاصر، فلهم كلهم الأولوية على تلك الأم فقط لأنها أنثى.
وبالنسبة لاستخدام جزء من المال فيجب أن تقدم الأم كتابا تفصيلياً عن طريقة صرفها لمال ولدها، وهو مبلغ محدد، وطبعاً هذا لا ينطبق على الأب، فله الصلاحية الكاملة باستخدام أموال ابنه القاصر دون الرجوع إلى أية محكمة، كما يمكنه السفر به دون موافقة أحد.
فالوصاية الدائمة هي للرجل الأب، أما الأم فيمكن بعد تقديم الإثباتات أن تعطى لها الوصاية المؤقته فقط، ولمدة محددة ولفعل محدد.
في القانون السوري
مصدر الوصاية يأتي من قانون الأحوال الشخصية المستمد من الشرع، حيث تعدُّ جميع تصرفات الإنسان ضمن الشروط الشرعية صحيحة إذا كان كامل الأهلية، وفي حال عدم كمالها لا يؤخذ بأفعاله ولا تعدُّ نافذة، لذلك يعين القاضي عليه وعلى ماله وَليّ يتولى شؤونه المالية والتربوية، ولهذا الولي شروط لا بد من توافرها فيه ليستطيع القيام بولايته على الشخص الآخر، أهمها الذكورة، فيجب أن يكون الأب أو الجد أو وصي الأب أو وصي الجد، وهكذا بحيث لا تتعدى الذكور إن وجدوا.
الوصاية تاريخياً
مع التطور والتقدم في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بات من الضروري النظر مرّةً أخرى إلى بعض القوانين التي تحدّ من حق المرأة وحريتها في التصرف، ومنها موضوع الولاية والوصاية الذي يميز بين المرأة والرجل لصفته الذكورية، فمن المعروف أن الوصاية تقع على الأيتام والقصّر وتكون عامةً أو خاصة، دائمة أو مؤقتة، ويتم تعيين الوصي بموجب وثيقة تصدر عن القاضي الشرعي ويمكن أن يكون الوصي ذكراً أو أنثى لكن الوصاية لا تُعطى للأم على أطفالها إلا في حال عدم وجود الجد أو العم، أو في حال عدم ثبوت صلاحهم بموجب حكم قضائي.
أما بالنسبة للولاية فهي نوعان: ولاية على النفس وولاية على المال، ولا تثبت الولاية على النفس والمال معاً إلا للأب والجد، فإذا لم يكن هنالك أب أو جدّ تنفصل الولايتان، فقد تمنح الولاية على النفس للأقارب، وتمنح الولاية على المال للوصيّ، وتقرر الولاية على النفس للأب ثم الجد العصبي (من جهة الأب)، ومن ثم لغيرهما من الأقارب، وهم العصبة من الذكور، ومن ثم إلى القاضي لأنه ولي من لا وليّ له.
أما الولاية على المال فتثبت للأب ووصيّه وإن بَعُد، والجدّ العصبي ووصيه وإن بَعُد، والقاضي ووصيه، أي أن القانون لم يعطِ المرأة الحق بالولاية إلا بعد استنفاذ “العصبية”، أي في حال عدم وجود أحد من الذكور من أقارب الأب.
تلك قوانين ينبغي إعادة النظر بها، وهي ضرورة في كل وقت وزمن، ولها الأولوية فالقوانين هي المجتمع وهي التغيير الحقيقي..
صدى الشام