لا يعلم العالم ما يجري من الأحداث في مدينة الموصل العراقية سوى ما ترصده عدسات المصورين والمراسلين لضراوة المعارك وقسوتها وما يعانيه السكان خلال نزوحهم ورزوحهم تحت حكم «تنظيم الدولة الإسلامية داعش» في الموصل، لكن هذه المرة كانت التغطية على عكس ما يشتهيه الساسة العراقيون، فقد كشف تحقيق صحافي لصحيفة «دير شبيغل الالمانية» عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها قوات الرد السريع وقوات الشرطة الاتحادية التابعتين لوزارة الداخلية العراقية والمعروفة اختصارًا بـ«ERDD».
وأظهرت الصور التي نقلها التقرير، الذي أعده وصوره الصحافي والمصور العراقي الكردي «علي أركادي» امراة تعرضت للاغتصاب خلال مداهمات نفذتها قوة من لواء الرد السريع.
وبحسب الصحيفة: «فهناك تنافس حاد بين لواء الرد السريع والشرطة الاتحادية على اغتصاب النساء»، وأوضح مراسل الصحيفة في تقريره أن «الأمريكيين على دراية بما تفعله القوات الأمنية»، ونقل عن ضابط أمريكي قوله لنظرائه العراقيين بعد حادثة اغتصاب: «حسنًا أنتم تعرفون ما تفعلون».
كما وثق الصحافي أيضًا مقتل شقيقين اثنين أثناء التعذيب في مدينة «بازوايا» تقع في الضاحية الشرقية لمدينة الموصل، التابعة لمحافظة نينوى على يد جنود متخصصين بالتعذيب، تابعين للواء الرد السريع، وكشف التقرير عن «حالات تعذيب لمدنيين من العرب السنة اعتُقلوا أثناء فرارهم من المعارك التي شهدتها مدينة حمام العليل، قبل عدة أشهر»، ووثق صورة لأب أعدمت القوات الأمنية ابنه البالغ من العمر 16 عامًا أمام عينيه.
وسمحت القوات الأمنية لمراسلي الصحف والوكالات الأجنبية بمرافقتها أثناء العمليات القتالية، لكن التقرير بين أن مراسل الصحيفة لم يستطع الإفراج عما بحوزته من معلومات وصور إلا بعد أن استطاع إخراج عائلته من العراق واستقرارها في بلد آمن، ووصف التقرير القوات الأمنية بأنهم «ليسوا أبطالًا، بل وحوشًا» في رد على أصل المهمة التي أطلقت عليها القوات الأمنية العراقية في بداية المعركة اسم «أبطال لا مخربين».
العراق يفتح تحقيقًا في اتهامات «دير شبيغل» حول انتهاكات بالموصل
قررت وزارة الداخلية العراقية فتح تحقيق لاستكشاف حقيقة ارتكاب قوات تابعة للوزارة انتهاكات ضد مدنيين بمعركة الموصل، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن أن تقرير الصحيفة حدد قسم الاستجابة للطوارئ أي وحدة النخبة التي تتبع وزارة الداخلية، وتدعمها قوات التحالف باعتبارها مرتكب الانتهاكات.
وكعادة التسويف في إجراء التحقيقات العراقية المشابهة بحسب المراقبين، لم يحدد المتحدث إطارًا زمنيًا للتحقيق لكنه قال إن: «الإجراءات القانونية ستطبق.. ضد المجرمين».
سلسلة انتهاكات مستمرة منذ بدء معركة الموصل
وضمن سلسلة التقارير التي تكشف عن الوجه الآخر في معركة الموصل، قالت «هيومن رايتس ووتش» في 22 أيار (مايو) إن قوات موالية للحكومة العراقية اعتقلت تعسفيًا ما لا يقل عن 1000 رجل في أواخر شهر نيسان (أبريل) الماضي، وفي بعض الحالات تعرض المعتقلون للتعذيب خلال الاستجواب.
كما قابلت هيومن رايتس ووتش ثلاثة أشخاص من مدينة «الحضر» وهي مدينة صغيرة تبعد 90 كيلومترًا جنوب غرب الموصل وتتبع محافظة نينوى، اعتقلتهم «قوات الحشد الشعبي» وكان مسؤولَان محليان على معرفة بعملية الاحتجاز في المنطقة.
قال الرجال إن المقاتلين احتجزوهم أثناء فرارهم من منازلهم خلال المعارك، وأضافوا انهم احتجزوا لمدة تصل إلى 15 يومًا في مبنى مدرسة في منزل يقع في منطقة تقع تحت سيطرة الحشد الشعبي كليًا. يضيف هؤلاء الرجال أن مقاتلين في «الحشد الشعبي» حققوا معهم حول صلات محتملة بتنظيم «داعش» وفي حالتين ضُربوا بأسلاك معدنية سميكة قبل إطلاق سراحهم مع عدد قليل من المحتجزين الآخرين. حيث قال لهم محتجزون آخرون إنهم تعرضوا للضرب أيضًا أثناء التحقيق.
وفي ذات السياق، قال علي الأحمدي، قائمقام الحضر، لوسائل الإعلام المحلية في الأول من مايو (أيار) الماضي إن «الحشد الشعبي» اعتقل 160 شخصًا على الأقل لدى وصولهم إلى مخيمات النازحين ولم يعرف مصيرهم حتى اللحظة.
واستمرارًا لرصد منظمة هيومن رايتس ووتش لانتهاكات حقوق الإنسان خلال معركة الموصل، أشارت المنظمة إلى الانتهاكات الممنهجة التي تضطلع بها المليشيات العراقية، ففي تقرير قالت لمى فقيه، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: «في غياب أي هدف عسكري مشروع، لا يوجد مبرر لتدمير منازل المدنيين. كلّ ما يتسبب فيه هذا التدمير هو منع المدنيين من العودة إلى ديارهم».
ووثقت هيومن رايتس ووتش أعمال نهب وهدم واسعة للبنايات باستخدام متفجرات ومعدات ثقيلة والحرق العمد في ثلاث قرى. حيث تحققت المنظمة من شهادات الشهود حول أعمال الهدم التي حصلت بين أواخر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2016 ومطلع فبراير (شباط) من عام 2017 بصور للقمر الصناعي التي أظهرت تدمير ما لا يقل عن 350 بناية، في ثلاث قرى في جنوب غرب الموصل.
من جهته دعا مبعوث التحالف الدولي ضد «داعش»، بريت مكغورك للتحقيق مع أفراد القوات الأمنية الذين ظهروا في تحقيق مجلة دير شبيغل الألمانية بشأن قتل وتعذيب مواطنين في الموصل.
وما بين معركة ضروس وانتهاك ممنهج وتحقيق مُنتظر، يضل الضحية يئن في انتظارٍ لا تُعْلَمُ نهايته.
المصدر:ساسة