تعتبر المستشفيات والمستوصفات والمراكز الطبية المنتشرة في جميع دول العالم دون استثناء, وباختلاف إمكانياتها وقدراتها تبعا للتقدم الطبي والعمراني فيها, واحدة من أهم المرافق الضرورية في الحياة, بل هي شريان استمرار الحياة الأساسي نظراً لدورها الكبير في تقديم الخدمات ودرء المخاطر عن عموم الناس.
وبعيدا عن الحديث عن المعايير الأساسية التي يجب توفرها لبناء المشافي في الدول المتطورة والمتقدمة والتي تتمتع بعامل الأمن والاستقرار المادي والاقتصادي والسياسي وحتى الاجتماعي أيضا, كمواكبة التطور الهائل في أساليب العلاج والبعد الإنساني في التصميم والمرونة في العمل ودراسة مساحات وأبعاد المشفى والممرات الداخلية وسلامة الطرقات الخارجية التي ئؤدي إليها والتجهيز الدقيق بأحدث الأجهزة والمعدات العلاجية إلى جانب توفر الكادر الطبي المهني المحترف من الأطباء والممرضين والمعالجين والمسعفين والصيادلة والمختصين في الجوانب الطبية.
وبعيدا عن كل هذه المواصفات المتبعة عالميا في بناء المشافي الحديثة, سنتحدث عن جزء بسيط من الواقع المأساوي الذي تعيشه المشافي السورية في الداخل المحرر.
لا يخفى على أحد أن القانون الدولي يتضمن العديد من المواد الصادرة عن ميثاق جمعية الأمم المتحدة والتي تضمن تحييد المنشآت الطبية وخصوصا المستشفيات عن نطاق الاستهداف العسكري لها والتأكيد على ضرورة حمايتها كونها تمثل الحالة الإنسانية الأسمى في حالة نشوب الحروب الداخلية والخارجية.
ولأن النظام السوري وحلفاءه كثيرا ما تعودوا على عدم الاكتراث بالقوانين الدولية ضاربين بها عرض الحائط, فقد أمعنوا وما زالوا في استهداف جميع المنشآت الحيوية والبنية التحتية في المناطق المحررة الخارجة عن سلطتهم, بل يعتبرون المستشفيات والمراكز الطبية هدفا مشروعا لطائراتهم ولمختلف أنواع أسلحتهم التدميرية أمام مرأى ومسمع من العالم المتحضر!, فقد وثقت العديد من المراكز التابعة للعديد من وكالات الأنباء المحلية والدولية, قيام طائرات “العدوان الروسي” والطائرات التابعة للنظام بالاستهداف المباشر للعديد من المشافي الرئيسية والميدانية في المناطق المحررة, حتى طائرات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لم تنج من بعض مثل هذه الاتهامات.
إذن الاحتمال الكبير لتعرض المشافي للقصف هو واقع مفروض أمام المؤسسات الطبية الناشئة في ظل الثورة والتي تعمل في العديد من المناطق تحت ضغط ضعف القدرات والإمكانيات المتوفرة, وهذا ما دفع العديد من المنظمات الدولية الداعمة للقطاع الطبي في دول الصراع إلى الانسحاب من داخل المناطق المحررة, لذلك شكّل هذا الأمر تحديا كبيرا للجهات التي لازالت ترغب بدعم إقامة المشافي الميدانية, فلجأت تلك الجهات إلى إتباع إستراتيجية جديدة تتمثل بإقامة المشافي الميدانية العاجلة في أماكن بعيدة عن “الأعين” نوعا ما, داخل البيوت الصغيرة وأحيانا داخل بعض المغارات في ظروف إجبارية بعيدة عن واقع الخدمة الطبية الإنسانية كما هو الحال في أغلب دول العالم.
يقول الطبيب السوري الشاب مهيار شمَاع الأخصائي بأمراض العظام:
“أنا متأكد أن من بقي من الأطباء السوريين في الداخل للاستمرار في أداء واجبهم الإنساني, هم أبطال بمعنى الكلمة, لأن الطبيب الذي يستمر بالعمل في المشافي المنتشرة داخل المناطق المحررة هو على دراية تامة بالمخاطر العديدة المحيطة به والتي تهدد حياته باستمرار, أغلب المشافي المتوفرة هي مشافي في أماكن متطرفة وتعاني سيارات الإسعاف من صعوبة الوصول السريع إليها نظرا لوعورة الطرق وعدم توفر الشبكة المعبدة التي تربط الطريق المؤدي من المشفى إلى التجمعات السكنية القريبة منها, والتي تتعرض للقصف المستمر الذي يخلِّف عددا من الإصابات المتنوعة في صفوف المدنيين, ولكن رغم ذلك دائما ما نعاني من مشكلة التجمع العشوائي للمدنيين والعربات أمام المشافي والمراكز الطبية مما يزيد من احتمالية تعرضها للقصف الجوي من قبل الطائرات الحربية, واعتقد أن مسألة بناء مشافي محمية جيدا وذات تصميم هندسي آمن مجهز “بالكراج” لوقوف الآليات هو أمر في غاية الصعوبة لأنه يحتاج إلى الكثير من الوقت والكثير من الإمكانيات المادية, مشكلة التجمعات غير المسؤولة أمام المشافي دائما ما تُفشِل جميع الخطط الرامية لإبعاد “العيون” عن أماكن تواجد هذه المشافي, في النهاية نسال الله تعالى أن يتكفل بحمايتنا من كل مكروه”.
ربما تستطيع الجهات الطبية الداعمة من تمويل مشاريع طبية مبنية نوعا ما وفق شروط هندسية ملائمة لعوامل الأمن والأمان في المناطق الحدودية البعيدة عن مواقع الاشتباك وقد حدثت بالفعل بعض التجارب الخجولة والمحدودة من هذا النوع, إلّا أن استهدافها بطائرات النظام الحربية والطائرات الروسية هو أمر وارد في أي لحظة زمنية, وقد تحتاج هذه الخطوات إلى تأمين حماية دولية حقيقية غير “خلَّبية” بإقامة منطقة حظر جوي, وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية التي باتت شريكا في صناعة القتل الممنهج عن طريق وضع “وضع العصي في الدواليب”, أمام جميع الخطوات التي تحاول توفير نوع من الحماية لحياة البشر كما يرى ذلك السوريون!.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.