قـــراءة فــي الــصحف
نبدأ قراءتنا من مجلة “فورين أفير” الأمريكية التي عنونت، “النظام العالمي في ورطة”.
يرسم الدبلوماسي الأميركي السابق رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس -في كتاب جديد له- صورة كئيبة للنظام العالمي ويصفه بأنه قد بلغ مرحلة الانحلال، داعيا إلى استبداله بنظام جديد يحدّث المبادئ التقليدية المتمثلة في سيادة الدول والقوة العظمى.
وتضمن الكتاب الصادر بعنوان “عالم تكتنفه الفوضى: السياسة الأميركية الخارجية وأزمة النظام القديم” والذي نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية عرضا موجزا له، أن النظام الذي تقوده أميركا ويقوم على التحالفات قد أصبح غير مستقر بسبب انتقال القوة بعيدا عن الغرب، وانتشار المخاطر الانتقالية، وترنح النظم الإقليمية في أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا.
وتقول المجلة إن هاس وضع يده على أزمة أعمق وهي: انهيار “نظام وستفاليا” الذي دام أربعة قرون والذي تأسس على مفهوم الدولة المستقلة ذات السيادة، مشيرة إلى أن النظام العالمي منذ القرن السابع عشر استقر على وجود الدول، والقوى العظمى، وتوازن القوة.
ويرى هاس أن العالم مقبل على مرحلة لا يوجد خلالها من يسيطر على الأمور، حتى في هذا الوقت يتعرض العالم لفوضى متزايدة ناتجة عن انتشار الأسلحة النووية، وأزمات اللاجئين والمهاجرين، وانهيار الدول، وعجز النظم الديمقراطية.
ودعا هاس -من أجل درء الكارثة- إلى ما أسماه بـ”النظام العالمي الثاني”، وهو “نظام عملياتي” جديد يبعث من جديد المبادئ التقليدية المتعلقة بالسيادة والقوة العظمى ويحدّثها.
ويرغب هاس في أن تركز الدول -ككيانات ذات سيادة- لا على مصالحها فقط، بل على واجباتها أيضا. ويقول إن هذا الوضع سيحد من نزعات التدخل بأقل مما كان يطمح إليه الليبراليون “الويلسونيون”، وسينتج نظاما أكثر تعاونا مما يتوقعه الواقعيون.
وعلقت المجلة بأن المعمار الدقيق الذي بناه هاس لنظام عالمي جديد صعب التحقيق، لكن دعوته للمزيد من البراغماتية والعمل المتعدد الأطراف تمثل مرشدا معقولا للسير في طريق المستقبل الصعب.
بدورها نشرت منظمة “بروجيكت سنديكيت” البريطانية مقالاً للكاتبة “آنا بالاسيو” تقول فيه، إذا كانت سنة 2016 مروعة حقاً، فإن نقاطها السلبية -تصويت المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، والفظائع المستمرة في سورية- كانت مجرد أعراض لعملية حل النظام العالمي القائم على قواعد الليبرالية، الذي بدأ قبل وقت طويل. لكن هذه الأعراض، مع الأسف، تعجل الآن في انحدار النظام.
أصبح النظام الليبرالي تحت الضغط منذ سنوات عديدة. ومن الواضح أنه لم يتم إحراز التقدم اللازم في تطوير المؤسسات والأجهزة القانونية. وباختصار، كنا نحاول تثبيت المسامير الدائرية للقوى العالمية للقرن العشرين في الثقوب المربعة لمؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
التمثيل المنحرف الذي يعكس الحقبة الماضية، سواء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، يقوض شرعية المؤسسات العالمية وقدرتها على مواجهة التحديات الجديدة. وقد دفع هذا إلى تحول نحو آليات غير رسمية، مثل مجموعة العشرين والمؤسسات الجديدة التي لم تُختبر بعد، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
سوف يهدف النهج الأمثل إلى تعزيز تمثيل الاقتصادات الناشئة في المؤسسات القائمة. وسيسعى أيضاً إلى دمج المزيد من الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل منظمات المجتمع المدني وممثلي قطاع الأعمال، في عمليات صنع القرار على الصعيد الدولي.
لكن التحدي الكبير يتجاوز الآليات المؤسسية التي شغلت معظم المعلقين، وأنا من بينهم. إن الجوهر الفلسفي للنظام الدولي الليبرالي الذي تم تهميشه، مبني على ما كان يعد فيما مضى مواضيع رئيسية في العالم الحديث -التجارة الحرة والديمقراطية وحقوق الإنسان- والتي أصبحت في تراجع أو تحت التهديد. وما لم ندرك ونعالج هذا الواقع، فإن النظام العالمي الليبرالي الذي جلب السلام والازدهار غير المسبوق للعالم على مدى العقود السبعة الماضية سيستمر في التراجع.
تابعت الكاتبة، لا يمكن لآليات الشمولية أن تعمل بشكل صحيح من دون أسس الأخلاق، والأهداف، والتوقعات العالمية. وما يمكنها القيام به هو دعم الاستياء والصراع، وكما تعلمنا في العام 2016، فقد دفع ذلك الناس إلى رفض العقلانية وإنكار الواقع. وهذا أمر مقلق للغاية يجب التصدي له.
الخطوة الأولى هي مواجهة الأزمة. فبدلاً من التشبث بخطاب وعقائد التنوير، علينا أن ندرك حدود عالمنا، وتحويل انتباهنا من التغلب عليه إلى الحفاظ عليه. هذه هي الرؤية والتوجيهات المشتركة اللازمة لدعم نظام عالمي جديد وحديث.
الخطوة الثانية هي تقييم ما ينبغي علينا توقعه بالضبط من هذا الواقع الجديد -ووضع معايير جديدة لقياس النجاح. إننا لا نستطيع افتراض أن الأجيال القادمة ستحصل على الكثير، لكننا نستطيع أن نعمل من أجل حصولها على الأفضل. ولتحقيق هذه الغاية، لا ينبغي أن تستند السياسة على مؤشرات حادة من التغيير الكلي، مثل إجمالي الناتج المحلي وبيانات التجارة الصافية، وإنما على مقاييس أكثر دقة تقدم صورة أكثر وضوحاً حول توزيع الثروة، والتعليم، ونوعية الحياة.
أما الخطوة الثالثة، فهي أن يكون لدى الجميع الهدف نفسه. ففي عالم اليوم، أصبحت المناهج المشتركة ضرورية لمواجهة التحديات وخلق فرص جديدة. ولن يتمكن خطاب القوميين أو المشاعر المعادية للتجارة من تغيير هذا الواقع.
الـمركز الـصحفي الـسوري _ صـحف