فتح النظام السوري عدة ملفات فساد لمسؤولين بارزين في الحكومة، وكان أبرزها التحقيق مع معاونة وزير الصحة، هدى السيد، التي تمت إقالتها، ووزير الصناعة السابق، كمال الدين طعمة، في تهم فساد وجهتها لهم هيئة الرقابة والتفتيش التابعة لرئاسة الوزراء، ما اعتبره محللون اقتصاد تلاعباً من نظام بشار الأسد بورقة الفساد في هذا التوقيت للتعتيم على الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها البلاد.
وتفاقمت المخالفات المالية بشكل ملحوظ، خلال الفترة الأخيرة، ما جعل سورية ضمن أكثر 10 دول فساداً في العالم، في ظل تجاهل الحكومة عمليات الفساد المتزايدة، والتي تضاعفت خلال ست سنوات أعقبت اندلاع الثورة عام 2011، حسب تقارير حكومية.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطّلعة، لـ “العربي الجديد”، أن هيئة الرقابة والتفتيش استدعت وزير التنمية الإدارية السابق والمرشح إلى جانب بشار الأسد للرئاسة عام 2014، حسان النوري، نهاية الأسبوع الماضي، بتهمة “مخالفات وفساد”.
وأكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أنه تم أيضاً استدعاء وزير الاقتصاد السابق وحاكم مصرف سورية المركزي، أديب ميالة، والتحقيق معه في تهم فساد مالي نُسبت إليه لمنح قروض وتسهيلات مالية بالمخالفة للقانون لمسؤولين ورجال أعمال.
وحسب المحللين، فإن النظام السوري غير جاد في ملاحقة الفساد، لكنه يقوم بالتحقيق في بعض القضايا من أجل تجميل صورة الحكومة أمام الرأي العام.
وفي هذا السياق، يسأل المحلل الاقتصادي، صلاح يوسف، في حديثه لـ “العربي الجديد”، ما هو السر في التباطؤ في التحقيق في قضايا الفساد المتهم فيها مسؤولو الأسد؟ ولماذا يتم انتظارهم حتى يخرجوا من مناصبهم ويهربوا خارج البلاد؟ فمعاونة وزير الصحة هدي السيد، متهمة بفساد وسمسرة واستيراد أدوية فاسدة ولقاحات بنحو 869 مليون ليرة (الدولار = نحو 520 ليرة)، منذ مايو/أيار العام الفائت، لكنها بقيت على رأس عملها، وحتى بعد إقالتها من بشار الأسد، لم يتم إلقاء القبض عليها، بل منحها نظام الأسد نفسه إذن سفر وغادرت من مطار دمشق الدولي.
ورفعت وزارة الصحة، في الشهر الماضي، أسعار نحو 1475 صنفاً دوائياً، بنسب تراوحت بين 100% منها أدوية الالتهابات والمضادات الحيوية، و600% للأدوية النفسية والصرع والغدد، بعد أقل من شهر من رفع أسعار نحو 500 صنف دوائي بنسب تجاوزت 100%.
ويضيف يوسف أن هناك مرحلة تبييض صفحات للفساد الكبير الذي يقوده نظام الأسد، والهدف هو محاولة امتصاص غضب الشارع السوري وإلهاؤه عن المطالبة بتحسين وضعه المعاشي، بعد أن وصلت نسبة الفقر إلى أكثر من 80%، حسب تقارير غير رسمية، مشيراً إلى أن وزير المالية خرج، أخيراً، ليؤكد أنه لا زيادة في الأجور، بل الأولوية لمخصصات الجيش والحرب.
وأشار إلى أن عمليات الفساد تتم بشكل قانوني ومنظم وبمباركة دولية، وإلا كيف يعطي نظام الأسد الاستثمار في النفط والكهرباء والإعمار لروسيا وإيران؟ حسب يوسف. وأضاف أن الأهم هو صمت العالم وتراجعه عن استرداد أموال السوريين، بل وقلب صفحة فساد الأسد وأقاربه التي كشفتها وثائق بنما، في شهر إبريل/نيسان من العام الماضي.
واحتلت 6 دول عربية، منها سورية، مراكز متقدمة في أسوأ 10 دول فساداً، حسب تقرير “مدركات الفساد” لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2016.
ومن جانبه، يرى الاقتصادي السوري، علي الشامي، في حديثه لـ “العربي الجديد”، أن الفساد في القطاع المالي وآخرها الاختلاس بالمصرف التجاري، من أخطر الملفات، لأن المصارف بعد التضخم النقدي اتجهت إلى أعمال معظمها غير شرعي لتبقى في السوق. ويشير الشامي إلى أن الفساد مستشر في بقطاع المصارف السورية، خاصة ما يتعلق بالقروض الضخمة المتعثرة والمشكوك في تحصيلها. وختم الشامي حديثه قائلاً: لا أبرئ أحداً من المتهمين، ولكني أسأل لماذا عقاب هؤلاء تحديداً؟
ومن جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة ماردين في تركيا، عبد الناصر الجاسم، أن الفساد بسورية هو أداة مهمة في أيدي الأسد، مشيراً إلى أن لكل مسؤول يتم اختياره بسورية ملفين، الأول إيجابي يؤهله للمنصب والثاني فاسد يمكن النظام من فتحه وإدانة المسؤول متى اقتضت الضرورة.
وتساءل الجاسم، خلال حديثه لـ “العربي الجديد”، لماذا فتح ملف القطاع المصرفي ومصرف سورية المركزي تحديداَ؟ مجيباً، أن الصفقات الكبرى التي يجريها النظام، إنما هي موثقة لدى المصرف المركزي.
ورغم عدم وجود أرقام رسمية دقيقة تنشر بشكل دوري عن حجم الفساد في سورية، إلا أن هناك مؤشرات حكومية حول تفاقمه، ومنها تصريحات صحافية سابقة لمدير هيئة المنافسة ومنع الاحتكار الحكومية، أنور علي، بأن 30% من ميزانية الدولة يتسرب من خلال الفساد والرشى.
ونشر باحثون وخبراء ومنظمات أهلية، في سورية، خلال شهر فبراير/شباط الفائت، دراسة، أظهرت أن 80% من انتشار الرشوة في ظل الأزمة سببه تمتع البعض بمناصب ومراكز تجعلهم بعيدين عن المحاسبة وافتقار دور الرقابة إلى كوادر مؤهلة ومدربة.
كما أظهرت الدراسة أن 88% من أسباب الرشوة يعود للتفاوت الطبقي والاجتماعي بين الأفراد، بغض النظر عن نوع الرشوة، سواء بسبب الحاجة أو تكديس الأموال.
وأعلن رئيس غرفة الجنايات بمحكمة النقض في دمشق، أحمد البكري، خلال تصريح سابق، أن نسبة الرشى ارتفعت، خلال سنوات الحرب الماضية، عشرة أضعاف ما كانت عليه عام 2010. وأكدت وزارة المالية، خلال إحصائية سابقة، أن حجم الفساد المكتشف في 19 شهرا يقدّر بخمسة مليارات ليرة سورية.
وجاء على لسان رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، محمد العموري، أن مبالغ الفساد المكتشفة من الجهاز خلال العام 2105 بلغت نحو 7 مليارات ليرة سورية، مقارنة بنحو مليار ليرة خلال عام 2014، ما يكشف عن تفاقم الفساد في الجهات الحكومية.
وبيّن العموري في كلمته، خلال المؤتمر السنوي الثاني للجهاز المركزي للرقابة المالية، الذي عُقد في العاصمة السورية دمشق، أخيراً، أن معظم الفساد في الدوائر الحكومية تركز بالتلاعب في الرواتب والأجور، كما أنه لم ينف وجود حالات فساد لدى بعض موظفي الجهاز الرقابي الذي يترأسه.
وحسب المحللين، أخذ فساد النظام أشكالاً مختلفة ومتنوعة عقب اندلاع الثورة، تعدت الطرق التقليدية، من التلاعب بالمشتريات ومنح المناقصات والمزايدات الحكومية، ليصل إلى بيع أصول وثروات سورية، ومنها بيوت مهجرين وتجارة بالآثار.
كما أن منح حلفاء النظام إيران وروسيا عقوداً لاستغلال الثروات يعد من أبرز آليات الفساد. وفي هذا السياق، كشف وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، في تصريحات صحافية سابقة، أن بلاده تسلمت طلباً من الجانب السوري للمشاركة في مشاريع النفط والغاز وإعادة البنية التحتية للطاقة وتطويرها.
وأضاف الوزير الروسي “سنتعاون مع سورية من خلال شركات زاروبيج نفط ولوك أويل وغازبروم نفط”، ويستهدف النظام منح أكبر جزء من كعكعة إعادة إعمار سورية لشركات وحكومات حلفائه في الحرب
كلنا شركاء