زادت وتيرة التصعيد في منطقة خفض التصعيد الرابعة، منذ زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى منطقة الهبيط في جبهة ريف إدلب الجنوبي، في 22 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي تزامنت مع لقاء سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان، وعقد اتفاق يقضي بتسيير دوريات مشتركة وإخراج مقاتلي سوريا الديمقراطية “قسد” إلى ما بعد عمق 30 كم.
ورغم نفي الأسد أن تكون زيارته لخطوط الجبهة هناك بمثابة إعلان ساعة الصفر لبدء معركة إدلب، إلا أن القصف على البلدات الجنوبية لم يتوقف، بل بدأ تماما مع إشرافه على قصف صليات نارية للمدفعية باتجاه كفرنبل وكفررومة ومعرتحرمة.
وأكد الأسد في لقاء تلفزيوني مع قناتي “السورية” و”الإخبارية” السورية، بث نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) أن معركة إدلب تأجلت عدة مرات لأسباب سياسية متعلقة بحليفيه، مرة بطلب روسي وأخرى بطلب إيراني. ولم يشر إلى قرب معركة إدلب أو يحدد تاريخا وترك الأمر معلقا من دون إجابة واضحة.
في الغضون، يسعى جيش النظام والميليشيات المساندة له إلى كسر عقبة الكبانة في جبل الأكراد جنوب غرب مدينة جسر الشغور، حيث تستمر الحملة ومحاولات التقدم منذ الهجوم الأخير في الربيع الماضي، والذي انتهى بسيطرة النظام على مناطق واسعة في ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، والذي خسرت فيه المعارضة السيطرة على جيب اللطامنة ومدن كفرنبودة وقلعة الضيق ومدينة خان شيخون على طريق حلب-دمشق الدولي (M5).
وتركز قوات النظام قصفها الحالي على محورين متجاورين في جنوب محافظة إدلب، الأول، هو محور بلدات النقير والشيخ مصطفى ومعرتحرمة، وهي امتداد لتقدمه السابق في الهبيط وحرش عابدين ويقعن على الطريق الواصل بين الهبيط وحزارين، حيث تشكل الأخيرة عقدة طرق تتفرع إلى كفرنبل وسفوهن وكفرعويد.
وإلى الشرق منهما، يتركز القصف على محور ركايا سجنة وكفرسجنة وحيش وموقة، وهي القرى الأقرب إلى طريق حلب-دمشق. ويعتبر المحوران امتدادا جغرافيا لتلال الوعرة في الهبيط وعابدين، وتتصل بجبل شحشبو الاستراتيجي والهام للغاية غربا والذي يشرف على سهل الغاب وقلعة المضيق. ويهدف النظام من القصف المركز على المحورين تهجير أكبر عدد من المدنيين والنازحين في المخيمات القريبة من معرتحرمة. وضعضعة خطوط الجبهة هناك، تسهيلا لعملية عسكرية برية أصبحت أكثر ترجيحا في المرحلة المقبلة.
إعادة انتشار وتقدم
وشهد ريف إدلب الشرقي، قرب الخوين، عملية إعادة انتشار وتقدم في قرية اللويبدة يوم الخميس. وتمركزت قوات جديدة أيضا في خطوط أمامية للمنطقة العازلة بين قوات النظام وقوات المعارضة في تل خزنة وسرجة. وقصف طيران النظام الطرق الواصلة بين الجبهة وبلدة التح على الطريق الجنوبي في المنطقة، وقرى المشيرفة وأم الخلاخيل والبريصة وتل دم الواصلة إلى بلدة جرجناز.
في السياق، نفى الناطق باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” النقيب ناجي مصطفى، سيطرة النظام على قرية اللويبدة بعد عملية عسكرية برية. وقال في اتصال مع “القدس العربي” إن “القرية تحت سيطرة النظام أصلاً، و”كانت قوات النظام والميليشيات الإيرانية تنصب الكمائن والشراك لمقاتلينا ليلاً بشكل مستمر. وما جرى هو تعزيزه لعدة نقاط داخلها، وردت سرايا المدفعية التابعة للجبهة الوطنية بقصف النقاط التي تمركز بها وأوقع ردنا عددا من القتلى والجرحى في صفوف ميليشيات النظام”. وشدد على استعداد فصائل المعارضة: “القادة العسكريون والميدانيون يقومون بوضع خطط لمنع أي تقدم لقوات النظام، ونحن بكامل جهوزيتنا لمنع أي محاولة تقدم في كل الجبهات، وما يجري في الكبانة أكبر دليل على جهوزية الفصائل”.
على صعيد آخر، لم يرسل النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى الجبهات المذكورة، ويبدو أنه يلجأ إلى الإعلام ونشر صور وأخبار على الصفحات المقربة من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري غير حقيقية ومبالغ فيها بشكل كبير. وما ينطبق على تحركات النظام ينسحب على الميليشيات الإيرانية أيضا، واقتصر دورها على قصف مدفعي متقطع في ريف حلب الجنوبي. فيما سجل تحرك واحد لميليشيا “الإمام الحسين” التي تعمل تحت لواء الفرقة الرابعة في منطقة جبال الأكراد على الخطوط الخلفية. وقالت مصادر محلية إن الشرطة العسكرية الروسية “منعت رتلاً للميليشيا من الاقتراب إلى خطوط الاشتباك في الكبانة”. ويعتبر التواجد الإيراني خفيفا للغاية في جبال التركمان والأكراد، ويتركز في نقط المراقبة الإيرانية في وادي باصور غرب مدينة جسر الشغور، والتي انتشرت عقب اتفاق مناطق خفض التصعيد في أيار (مايو) 2018.
التصعيد الأخير، والذي لم يبلغ ذروته بعد، لا يعطي مؤشرات على عملية برية واسعة. فتركيز القصف على المحورين المذكورين أعلاه، يسير إلى نية قضم منطقة التلال الوعرة في ريف إدلب الجنوبي والتقدم من خلالها للسيطرة على قسم الطريق الممتد بين خان شيخون وحيش، والالتفاف على حبل شحشبو من الجهة الشرقية والشمالية بعد فشل محاول اختراقها من محور قلعة المضيق، كون قوات النظام تهاجم الجبل من أرض منخفضة يتحصن بها مقاتلو “الوطنية للتحرير”. وهو ما أعطاهم أفضلية الدفاع في المناطق العالية.
المؤكد أن روسيا أعلنت مرارا وتكرارا رغبتها أن يبسط النظام السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية، وهي لن تمانع قراره بتلك العملية. لكن موسكو تركز جهودها على ملء الفراغ الحاصل بسبب الانسحاب الأمريكي من مناطق كبيرة شرق الفرات، وتهدف إلى تعزيز قوتها في جوار منطقة النفوذ الأمريكي الجديدة المنحسرة إلى مناطق آبار النفط السورية في شرق دير الزور والحسكة. ولهذا فإنها ليست مستعجلة فيما يتعلق بملف إدلب، وهي مدركة أنها ستتمكن من حله سياسيا مع أنقرة، وستفرض سيطرة النظام عليه في نهاية الأمر.
نقلا عن القدس العربي