أبو الغور!!! … قلي ابو عنتر ؟؟ … اليوم سمعت واحد افندي بالأوزاعة (اذاعة) عم يحكي عن أكلة اسمها (همبرجر) !! دايقها شي قبل هيك ؟؟ والله يا صاحبي .. الهم دايق منو كتير بس البرجر لا والله ما بعرفو … عموما هدول المسكفين ( المثقفين ) لا تدقق عليهن كتير بيجعك راسك يا ابو العناتر!!! ( مقتطف من حوار في المسلسل الكوميدي صح النوم عام 1972)

الفجوة بين المثقف السوري وعامة الشعب ليست بأمر جديد .. اتضحت معالمه حديثا .. اطلاقا . الحوار الكوميدي الدائر في احدى حلقات مسلسل تم تصويره في بداية السبعينات يعكس تجذر هذه الفجوة، ويؤكد انها ذات حطب قديم الاحتراق … على عكس ما يروج له الكثيرون بانها ازمة حديثة كانت نتيجة تفاعل شريحة كبيرة من الكتاب والمثقفين بشكل سلبي ومخيب للآمال مع ثورة كان وما زال شعبنا يدفع فاتورة اندلاعها من لحمه ودمه.
سأستعرض معكم بعض المشاهد الواقعية.
كندرة لميعة , قميص فاقع , سترة عسكرية , وشاح احمر , لحية مبعثرة , طاقية بيريه مائلة على طريقة جيفارا .. تحت ابطه جريدة , يمسك كتابا … وفي اليد الاخرى حقيبة جلدية مهترئة وفي فمه سيجار .. يدخل الى.. القهوة ليبدأ الجالسون بالتهامس : ييي اجا المثقف .. ينظر لهم بقرف وينظرون له باستهزاء فينزوي جالسا على طاولة متطرفة .
على باب القاعة عامل يقول لزميله الآخر .. لك اخي احنا شو جابنا لهون ؟ .. قال في ندوة كرمال يعرفونا بحقوقنا النقابية والعمالية … بالله شو؟؟ .. اسماع ازا ما حيوزعو علينا سندويش وكاجوظ مالي قاعد دقيقة بروح بسمع اللعي تبع مرتي احسن ما اسمع هالكم منظر الي جايبن يتفلسفو علينا!!!
مضى على الامسية الشعرية ساعة كاملة ولا يوجد في مدرج الحضور سوى ثلاثة من اصدقاء الشاعر … وبعد طول صبر اشار عريف الحفل الى الآذن فاقترب منه وهمس له: سماع بتروح عالبار تبع ابو جورج.. الي جنبنا وبتقول في عنا مقابلة مع اخوها لسارية السواس وبترجع ركيض لعندي مفهوم ؟
في خضم اجتماع للأخوة في بيت العائلة بقصد مناقشة موضوع تقدم احدهم لخطبة اختهم الصغرى … قطع الاخ الاكبر حديث احد الاخوة وصرخ : لك شو تفاهم وشو رضا وشو مقتنعة ومو مقتنعة … هادا زواج … مو محاضرة جاية تلقيها عطلابك ثقافتك خليا عجنب .
#في نادي الصحفيين يلتقي الصديقان بشكل دائم .. احدهما شاعر والاخر كاتب .. يقول الاول للثاني : لك ليش ما بنحاور الناس ونختلط معهن .. نصحح مفاهيمن الغلط .. نشوف همومن .. نوسع مداركن … قاطعه باستخفاف وقال : لا لا لا … شوف صديقي شعبنا بقر وهمج ومتخلفين .. مافي منن رجا .. لا تحاول
….. ان التعنت والخيلاء و انعدام الصدق مع الذات عند الطرفين هو لب المشكلة واساسها .. فمن المفترض ان يحمل المثقف رسالة تجاه وطنه وشعبه ويبادر بكل طاقته للاختلاط مع البسطاء والكادحين ممن لم تتح لهم الفرصة في تحصيل المعارف والمعلومات وخصوصا ان جل ما يحمله من افكار وأيدولوجيات تتعلق بالكفاح والنضال لأجل الفقراء والبسطاء والمهمشين والمحرومين … ومن المفترض ان يعترف الغير مثقف بان لديه قصورا في مجال معرفي ما .. ولا يجد في نفسه أي غضاضة في الالتجاء الى المتعلمين والمثقفين الاكثر دراية .. ليسأل ويتعلم ويطور ذاته عوضا عن المكابرة والتمنع الزائف …. الا ان الجميع ينكر دوره اتجاه الاخر .. فيما يشبه مسابقة في القرف والبصاق .. كانت النتيجة ان اصبح المثقفون في نظر البسطاء وهم الاغلبية في بلادنا.. طبقة اجتماعية مثلها مثل الاقطاع وراس مال .. طبقة مكروهة انانية متعجرفة لا ينوبهم منها سوى ال (علاك الفاضي) والتنظير … وعليه انزوى المثقفون في ندواتهم وباراتهم يلعنون المجتمع والتاريخ والحاضر والماضي وينقمون على كل من حولهم .. دون ادنى محاولة للخروج بهذا المجتمع من هذا الواقع المؤلم … عن طريق التنوير .. التنوير الوسيلة الوحيدة لخلق تغيير حقيقي
ادرك النظام السياسي في سوريا … ابعاد هذه الفجوة … وعرف جيدا كيف يحصد المكاسب منها .. فزادها وعمقها وكرسها … قامت في البلاد ثورة .. وشعبها على ضفة ومثقفيها على ضفة اخرى …. حتى أولئك المثقفون الوطنيون اصحاب المبادئ والصادقين في دعمهم للثورة … لطالما واجهوا اللكم والرفس خلال وجودهم على ضفة الشعب الثائر … يقول المثل : لا يصلح العطار ما أفسده الدهر … وعليه فان المشوار طويل جدا لسد هذه الهوة الواسعة بين مثقفي الوطن وعامة الناس
في محطة الباص .. يقف بجانبي رجل اربعيني .. التفت نحوي وقال لي : الأخ سوري … فأجبت : نعم سوري … يا مية اهلا وسهلا .. شو تشغل معلم؟؟؟ … ( لا ادري ولكن شيئا في داخلي منعني من ان اخبره اني كاتب ) فقلت له : بالتجارة …. فقال : الله يسامحني.. تصدق بالله ؟ … لا اله الا الله خير ؟ … فكرتك من هدول المسكفين .. سامحني دخيلك !!!!