الماء هو الحياة، لأنه عامل أساسي في حياة كل الكائنات الحية التي تدب على الأرض، وحيث تواجدت المياه نمت وتطورت حضارات العصور القديمة، وإلى يومنا هذا لم يتغير في الأمر شيء؛ بل على العكس من هذا تماما نجد أن كثيرا من الصراعات الأقلمية يكون سببها المخفي أو حتى المعلن هو الطمع أو لنقل “الرغبة” في السيطرة على المصادر المائية المشتركة.
وإذا سرنا تجاه سوريا فسنجد أنها بالأساس تقع في المناطق الجافة بمعظمها والتي تعاني من شح في المياه؛ أضف الى ذلك أن كل المصادر المائية السطحية الحيوية والكبرى في البلاد (كأنهار الفرات ودجلة والعاصي و ..) تقع منابعها خارج الحدود السورية الحالية مما يجعل التحكم فيها وعملية تقاسمها أمرا صعبا ومشروطا بالتوافق مع دول الجوار وهذا أمر لايتوافر في كل حين.
هذا الواقع المائي لسوريا كان قبل ست سنوات أو مايزيد؛ أي قبل اندلاع أحداث الثورة، وكان المواطن بالكاد يشعر بأزمة مائية، فما بالنا بالآن ؟؟!
في حقيقة الأمر تعرض القطاع المائي -كغيره من القطاعات-في سوريا لضرر عظيم حتى أصبحنا على حافة خطر محدق وإن لم يشعر الجميع به، فشبكات المياه وبناها التحتية من مشاريع وسدود دمرت بمعظمها أو لنقل تلفت لدرجة أخرجتها عن الصيانة، ومنها ماوقع تحت سيطرة جماعات معينة وتوقفت عن عملها فلم تعد المياه النظامية “الحكومية” تصل الى المنازل وهذي كانت بمعظمها تأتي من الأنهار السطحية.
ووقع على عاتق المواطنين “تدبير رؤوسهم”في تأمين متطلباتهم اليومية من المياه، فكانت المياه الجوفية هي الحل! خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرةالنظام “المحررة”. وتتواجد المياه الجوفية في سوريا على شكل أحواض هيدرولوجيةخمسة، بعضها عميق وجيد بالكم والنوع كأحواض المرتفعات الساحلية وسفوح الجبال، وبعضها الآخر قريب من سطح الأرض “ارتوازي”كأحواض المناطق الوسطى ودلتا الجزيرة السورية وهذه أقل من الأولى كما ونوعا.
وسابقا كانت هذه المياه مساهمة جزئية في الموارد المائية السورية بمقدار075، 5 مليار متر مكعب على اعتبارها مصدرا مخبأ كأمن مائي، يمكن الاستفادة منه في سنين الجفاف الشديد أو الحاجة.
أما الآن فقد أصبحت المياه الجوفية هي المصدر الأساسي للحصول على المياه في معظم المناطق السورية، وقد تعرضت لاستنزاف مرعب وخطير يهدد بالفعل بكارثة مائية، فقد تضاعف عدد الآبار المحفورة بقصد استجرار هذه المياه لمرات عدة وباتت تستعمل في كل قطاعات الحياة سواء للاستخدام المنزلي أو للقطاع الزراعي وغيره.
وإن زيادة الضغط على هذه المياه سيؤدي إلى نفاذها مستقبلا إذما استمر المعدل الحالي من الاستهلاك كما هو، أو حتى أن انخفاض منسوبها سيجعلها عرضة لخطر التلوث بتسرب مياه البحر المالحة إليها لسد النفص في كميتها أو إن لم تتسرب مياه البحر فستضطر الأرض الواقعة فوق الحوض المستنزف للخفس كي تملأ الفراغ إياه.، أضف إلى ذلك أن تضرر وانعدام -في كثير من الأحيان خاصة مناطق المخيمات-لشبكات الصرف الصحي والزراعي سيجعل خطر تلوث المياه الجوفية خاصة القريبة من السطح أمرا واقعا لامحالة.
وهكذا سنرى بأننا أمام مشكلة خطيرة تهدد أمننا المائي؛ وظروف الحرب القائمة لا تبشر بتحسن في هذا المجال قريبا لأن معظم المصادر الأخرى توقفت عن العمل وحتى مياه الأمطار التي كانت واحدة من مصادر تغذية المياه السطحية الجوفية قلت كميتها مع تواتر سنوات الجفاف الماضية !
ويبقى السؤال العالق في الذهن إلى متى ستصمد المياه الجوفية أمام واقعنا المرير؟؟؟؟!
شاديا الراعي _المركز الصحفي السوري