بيروت– مئات الآلاف من الأاشخاص في جميع أنحاء سوريا في المناطق التي تحاصرها القوات الحكومية ومقاتلو المعارضة معرضون لخطر المجاعة وسوء التغذية. كما حذر مسئولون أمميون وعاملون في الإغاثة.
الأطراف المتصارعة تعمل على قطع الطعام والدواء من الوصول إلى عشرات المناطق, مما يتسبب في موت المدنيين وتعقيد جهود السلام الجارية لوقف الحرب الأهلية. الصور المرعبة التي عرضت على شبكات التواصل الإجتماعي والتي تظهر رجالا ونساء وأطفالا يتضورون جوعا في مدينة مضايا, التي تحاصرها القوات الحكومية, زادت من الحاجة الملحة للتوصل إلى حل لهذه القضية.
يقول باول كريزسك, المتحدث باسم الصليب الأحمر والموجود في العاصمة السورية دمشق :” مع استمرار الصراع, فإن الوضع على الأرض ينهار, خاصة في المناطق التي تقع تحت الحصار”.
حتى قبل مضايا, كان تكتيك الحصار شائعا في الحرب السورية, التي أدت إلى مقتل أكثر من 250000 شخص, وتشريد الملايين وخلق كارثة إنسانية. ولكن هذا التكتيك مستخدم بصورة أكبر من قبل قوات الرئيس بشار الأسد, مدعومة بالضربات الجوية الروسية, و الهجوم الجديد ضد الجماعات المتمردة.
العواقب المروعة بدأت تتكشف في نقص الفيتامينات لدى الأمهات في المناطق المحاصرة واللواتي يصارعن من أجل إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية, وفقا لما حذر منه مسئولو الأمم المتحدة وعمال الإغاثة. عدد المتزايد من المرضى من كبار السن والشباب, كما يقولون, يبدو أنهم يتعرضون لأمراض يمكن الوقاية منها في ظروف أخرى.
في بعض المناطق, مثل مضايا, جاع الناس حتى الموت, كما ذكرت وكالات الإغاثة.
يقول داني القباني, وهو ناشط من المعضمية, وهي منطقة تسيطر عليها المعارضة وتحاصرها القوات الحكومية وتقع على بعد أميال قليلة فقط جنوب غرب دمشق :” إننا نجوع حتى الموت, النساء والأطفال. ليس لدينا طعام”. في الأسابيع الأخيرة, حوالي 7 أشخاص من أصل 44000 عدد سكان المدينة ماتوا بسبب قطع الطعام والغذاء, كما قال القباني, وهو اسمه الحركي.
زادت وتيرة الحرب منذ أن تدخلت روسيا بضرباتها الجوية ضد قوات المتمردين في سوريا نهاية العام الماضي. غارات موسكو الجوية زادت من سوء تعقيد الوضع الإنساني السئ أصلا في البلاد, وقد ترافق ذلك مع قيام القوات الحكومية البرية بتشديد الخناق على معاقل المعارضة, وفقا لمحلليين وناشطين.
تقول روسيا, الحليف المقرب من الأسد, إن الهدف من تدخلها كان يتمثل في استهداف الدولة الإسلامية, ولكن المعارضة السورية تقول إن الغارات الجوية استهدفت بشكل رئيس الجماعات المعارضة.
يبدو أن ممارسة الحصار تهدد محادثات السلام التي تجري برعاية الأمم المتحدة والتي من المفترض أن تعقد في جنيف الأسبوع القادم. في الأسبوع الماضي, أعلنت العديد من جماعات المعارضة بأنهم لن يشاركوا في المفاوضات ما لم تسمح الحكومة بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تحاصرها قواتها.
قال إميل حكيم, المحلل المختص في شئون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن, بأن قوات الأسد تشدد الحصار على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون كجزء من محاولة للسيطرة على أكبر قدر من الأراضي قبل محادثات جنيف. الحصار جزء من استراتيجية حكومية مارسها النظام السوري منذ فترة طويلة من أجل كسر عزيمة السكان غير الموالين وطردهم من مناطقهم”.
بشكل عام, عبر مسئولوا الأمم المتحدة وعمال الإغاثة بصورة متزايدة عن قلقهم حيال السكان الذين منع عنهم الطعام والدواء من قبل الأطراف المتحاربة في كلا جانبي الصراع, حيث يعتبر الحصار تكتيكا حربيا قديما فيه خرق واضح للقانون الدولي.
وفقا للأمم المتحدة, حوالي 400000 شخص يعيشون في المناطق المحاصرة في 15 موقعا في سوريا. تعرف الأمم المتحدة المنطقة التي تقع تحت الحصار بأنها “محاصرة من قبل عناصر مسلحة مما يخلق أثرا دائما يمنع من وصول المساعدات الإنسانية بصورة دائمة إلى المدنيين والمرضى والمصابين, ولا يمكن الخروج بصورة منتظمة من المنطقة”.
يتهم ناشطون من المعارضة في سوريا الأمم المتحدة بالتقليل من العدد الفعلي للأشخاص الذين يقبعون تحت الحصار, ويستثنون من أرقامهم بعض المناطق التي تحاصرها القوات الحكومية. ولكن مسئولين رفيعين في الأمم المتحدة يرفضون هذا الاتهام.
قال حسان حسان, وهو محلل سوري يقيم في واشنطن دي سي, بأن الحصار الحكومي يميل إلى أن يكون أكثر قسوة ويؤثر على عدد أكبر من الأشخاص من الحصار الذي تفرضه المعارضة. علاوة على ذلك, كما قال, فإن قوات الأسد تملك الطائرات المقاتلة, وهو أمر يفتقر إليه المتمردون, وذلك لقصف المناطق التي تحاصرها ورمي المساعدات للسكان الموالين الذين تحاصرهم المعارضة.
مضايا, التي يعيش فيها أكثر 20000 إنسان, تحاصرها القوات الحكومية وقوات موالية من حزب الله اللبناني منذ الصيف, مات فيها عشرات الأشخاص بسبب الجوع, كما قال عمال الإغاثة. الاتفاقية التي تم التوصل إليها برعاية الأمم المتحدة مؤخرا سمحت للمساعدات الإنسانية بالدخول إليها.
في المعضمية, التي لا تصنفها الأمم المتحدة بأنها محاصرة, يقول السكان والناشطون بأن القوات الحكومية قطعت تماما إمدادات الغذاء والدواء عن الناس خلال الشهر الماضي. الهدنة المحلية الهشة مع المتمردين المحليين انهارت مع زيادة قوات الحكومة هجماتها للسيطرة على المناطق القريبة التي تقع تحت سيطرة المتمردين.
يقول نشطاء إن خمسة أطفال وامرأة ورجل مسن ماتوا من الجوع منذ بداية تشديد الحصار في ديسمبر. مثل مضايا, فإن سكان المعظمية يواجهون أسعارا مرتفعة للغذاء – 2 باوند ثمن كيلو الأرز في الماضي أصبح يكلف الآن 20 دولار.
يقول ماجد, وهو ناشط يبلغ ال 22 من العمر في المعضمية :” تعيش أسرتي الآن على الحساء مع بعض الأعشاب والبهارات للبقاء على قيد الحياة”. ولم يذكر ماجد سوى اسمه الأول وذلك خوفا على سلامته.
قالت إليزابيث هوف, وهي ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا, بأن الأطباء في المعضمية يخشون من أن النساء يصارعون الآن من أجل إرضاع أبنائهم رضاعة طبيعية بسبب نقص الغذاء. يقول هوف :” هذا مؤشر على أنك ربما تجد حالات من نقص الغذاء, كما هو الحال في مضايا”.
ولكن منظمة الصحة العالمية غير قادرة على التحقق من المزاعم بوجود حالات موت بسبب المجاعة لأن الحكومة رفضت طلبات المنظمة منذ يونيو للدخول إلى المعضمية, كما قالت.
كما أن الظروف صعبة جدا في المناطق لتي تحاصرها المعارضة, مثل المناطق الموجودة في دير الزور التي تحاصرها الدولة الإسلامية, التي تسيطر على مناطق شاسعة في سوريا والعراق. ولكن ناشطين من داخل المدينة يتهمون حكومة الأسد أيضا باستغلال مأساة السكان الذين يواجهون هجمات وحشية من قبل الجماعات المسلحة, وهو ما يسلط الضوء على الصعوبات غير المتوقعة لهؤلاء الذين يعيشون تحت الحصار.
إلقاء الغذاء من قبل الطائرات الحكومية طريقة غير فعالة, إضافة إلى أن المسئولين يستولون على هذا الإمدادات, ويقومون ببيعها فيما بعد إلى السكان اليائسين بأسعار باهظة, كما يقول جلال الحامد, وهو مشرف منظمة عدالة من أجل الحياة في دير الزور. من أجل الخروج من المنطقة, يفرض المسئولون الحكوميون رسوما باهظة لا يستيطع معظم السكان من دفعها, كما يقول.
ويضيف الحامد, وهو من سكان المدينة الأصليين, عبر مقابلة على السكايب :” الناس الموجودون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة تحت حصار حقيقي من قبل مجموعتين: داعش ونظام الأسد. إنها كارثة”.
واشنطن بوست 22\1\2016
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي