ما أخشاه على حالي وعلى غيري أن يصير معيار المواطنة عندنا هو الحقد! خط الحقد عملة جديدة في أسواقنا النفسية ويتلازم كالعادة مع التعصب ويتناسبان طردياً مع كم العدوانية التي راكمتها التجارب والمحن والويلات في ضمير الأمة. الحقد على البشر والحجر وكل ما خلق الله من كائنات تبين أنه صممها على المهانة والذل، لماذا علينا دون أمم الكون أن نكون أذلاء؟ كل الفعاليات النهّاشة التي تلسع وتعض تعيش في بيئتنا الحاقدة، ما إن تصيح على واحدة حتى توافيك سلسلة من عجائب بهيمية خام تتداعى وراء بعضها من كره وسخط وقهر واحتقار لكل المعلقات القيمية التي بذلنا كل طاقتنا حتى صارت في تكويننا! نراها في كل يوم كيف تتكئ على مخزون ذاكرة لئيمة رعوية خائفة مرعوبة متجذرة في قاعنا المعتم. أنا لا أريد أن أكون حاقداً ولكنني قبل أن أقرر صرت!
وقد تطول فترة الرضوخ والغبن وتتفاعل من حيث لا ننتبه في سراديب النفس مع أحقاد نتشربها على مهل، ننفر من مذاقها في البداية ثم مع الفعس والطحن والدوس تصبح مستساغة وتتحول لسادية شبه مرضية تحن للكوارث والنوازل بالآخر منتظرين أن تحيق بالآخرين وبرزقهم وعباءات سماواتهم، وهي دون نقاش أو جدل علائم لا تمت للإنسانية ومداليلها في هذا العصر ولا حتى في العصور السابقة، مهما أوغلنا للوراء، ننتشي بالتوسلات وعذابات الخلق، يا للشهامة. لسنا أمينين بمثل هذه الحمولة البدائية على حظوظ الناس. فرّطنا بملامح إنسانيتنا المعلوفة على الغالي ونكصنا لقرون المغاور والغابات وهو حقنا في هذا العصر الداعر.
السادية فتاكة، وهي أحد التعبيرات اللاإنسانية الثاوية في النفس التي فقدت البوصلة وحل فيها الوباء، لست وحدي من يحمل هذه الجرثومة مع أني وحدي أعترف لكم!
ننهمك أحياناً بجلد ذواتنا الغبية التي أخضعت على مرّ الزمن لآليات تزوير استفاد منها العالم كله عدانا، أو بعبارة أصح كانت على حسابنا. صرنا نفتك بأنفسنا وقد عجزنا عن الفتك بمن أذلنا قروناً مديدة ومن الذي اضطهدنا وحقرنا، نتلذذ بمعاناتنا المريعة ونتجول في السر بين سراديب الذات الخلفية لندين حالنا، الكل يمارس علينا فضيلة الخصاء والكل يمليها مما ولد فينا مشاعر انتقامية طاغية نحو الكل بلا استثناء.
صحيح مصادر التمويل تختلف في تحسيسنا بالدونية لكنها دائماً متفقة في الاتجاه صوبنا، أخس ما تظهر في سلوك القامع الفرد المستبد نحو رعيته أو من توهموا أنهم رعية، لا ناسه ولا رعيته ولا من يحزنون. العجز الساحق الذي نحسه إزاء حاكم مريض حّولنا لمازوخيين وجعلنا نصّغر حالنا على أمل ألا يرانا أحد ولكنه في كل مرة يرانا! نستحضر من التاريخ صوراً بهية على أمل أن تزهي البؤس وتعوضنا عن راهن دموي ولم نفلح. تلجؤّنا بالماضي لا يحل المشكلة، يزورها ويملأ أسواق النفس ببضاعة غريبة لفترة من الوقت ولكنها سرعان ما تنضب من الأسواق ونكتشف أن الماضي لم ينقذنا من محنتنا مهما قلنا فيه من مدائح ومواويل باعتباره متفوقاً في وهمنا ومنصفاً للفقراء وفذاً، ومع ذلك لا يرد علينا ويهمس في روعنا: عليكم أن تلتفتوا للأرض التي عليها تقفون! كما أمريكا التي نتملقها لتنصفنا ونراها في آخر كل جولة من جولات الدابي والعربي أو عنان أو الإبراهيمي أو ديمستورا تقول لنا: عليكم بايران شاوروها! ولكن يا عمي يا أوباما إيران هي المشكلة من أولها لآخرها. يهمس لنا حراس أوباما: لا بد من إيران وإن طال السفر.
المصدر: الغربال