نحب، نحن السوريين، المفتي الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، فهو، برأينا، واحد من الشخصيات الطريفة، المسلية. نصغي إليه، أحياناً، فنُعجبُ بفصاحته، وطلاقة لسانه، ومقدرته على صوغ الجمل البلاغية المؤثرة، القادرة على إضحاكنا وإبكائنا، في آن معاً.. ونلجأ، في أحيان أخرى، إلى رفع مستوى المتعة، فنتركه يخطب، ونضع جهاز التلفزيون بوضعية الصامت (meut)، ونقعد لنتفرج عليه، وهو يحرّك شفتيه، ويديه، ويهز رأسه، كما لو أنه يقدم عَرْضاً إيمائياً مضحكاً. إننا لعلى يقين بأن الدكتور حسون يعشق الرفيق المناضل بشار الأسد عشقاً يصل إلى حدود الهيام، ولولا أنْ سَبَقَه أحدُ أعضاء مجلس الشعب إلى القول إن رئاسة الوطن العربي قليلةٌ
عليه، وأن العدل والإنصاف يقضيان بأن يكونَ رئيسَ العالم، لقالها له، وأقسمَ على ذلك بالله العظيم، الباري المقيم، الذي لا يضرّنا مع اسمه شيءٌ في السموات والأرض. إن العاشق الولهان، حتى ولو كان موضوعُ عشقه سياسياً، يفقد بوصلته، ويطوش صوابه حينما يشفّه الوجدُ، ويصبح حاله كحال المطربة شادية، حينما غنّت في أحد أفلامها (لو عازْ أبويَ فنجال قهوة، أعملْ لُه شاي وأسقيه لأمي – وخيالَك يجي على سهوة، ما افرقشِ ما بين خالتي وعمي). وهذا ما حصل للرفيق حسون بالضبط، حينما دفعه العشق، ذات يوم، إلى تهديد أوروبا بخلايا إرهابية نائمة، إنْ هي تجرّأت على دعم معارضي آل الأسد، ثم أعطى فتوى لمجرمي الجيش العربي السوري بمشروعية تهديم أية حارةٍ تخرج منها رصاصة فوق رؤوس ساكنيها، ناصحاً مجرمي الجيش بألا يرفّ لهم جفن في قتل الرجال والنساء والأطفال في تلك الحارة، فالله غفور رحيم.
قبل أيام، في لقاء ديني موسّع، ضم دُعاة وداعيات وأئمة وخطباء، وصف حسون المطالبات الغربية بإجراء انتخابات حرة في سورية، تحت رعاية الأمم المتحدة، بأنه إشعالٌ لنار الفتنة بين السوريين. ويعرف الدكتور الشيخ الجليل أن الفتنة حينما تكون نائمة، فإن الله تعالى يلعن من يوقظها، وأن الفتنة أشد من القتل، لكنه لم يقل هذا للموجودين، ليقينه أن البلاغة تكمن في الإيجاز. يعني، يا أخي، الانتخابات الحرة فتنة، ونقطة انتهى.
نريد، نحن محبي الشيخ حسون، أن نشد من أزره، فننوب عنه بالقول إن إحدى وأربعين سنة مرّت على سورية، منذ 1970، والقيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي كانت تنتظر انتهاء الفترة الرئاسية المحددة بالدستور، البالغة سبع سنوات، لتعلن أن مرشحها الجديد هو المرشح القديم نفسه، حافظ الأسد، ثم وريثه، فيكون ذلك بداية حقيقية لعرس الديمقراطية، وتقرعُ الطبول، وتترغل المزامير، ويخرج الرجال الأصحّاء من بيوتهم راقصين، دابكين، والعَجَزة يخرجون محمولين في القفف والكراسي الطبية، هاتفين، هازجين، وتخرج النسوة مهنهنات، مزغردات، وتتنحى السيارات عن الشوارع الرئيسية، لتَجري فيها السيول البشرية التي تحمل الأعلام واللافتات وصور الرفيق المناضل، وتحتها كلمة واحدة (منحبك)، ومَنْ يصل منهم إلى مركز الاستفتاء، يصيح بأعضاء اللجنة، موضحاً أنه يريد أن يستفتي عن ثمانية أو عشرة أو عشرين بـ(نعم للقائد).
فيقولون له أبشرْ، ويحملون عدداً من الأوراق ويضعونها في الصندوق. أما الوزراء وأعضاء القيادة القطرية والجبهة التقدمية ومجلس الشعب، فلا يذهب أحدٌ منهم إلى مركز الاستفتاء، من دون أن ترافقه الكاميرات التلفزيونية لترينا، بلقطة (زوم إن)، كيف تكتب أنامله كلمة نعم، ثم تحمل الورقة، وتنزلها في الصندوق، فيرندح الطبل والمزمار من جديد، وتحتدم الدبكة، بينما يذهب الرفاق الشبيبيون إلى منصّة الاستفتاء، ويجرحون أصابعهم، حتى يسيل منها الدم، ويكتبون نبايعك بالدم، يا قائد المسيرة. هذا كلّه كان يحدث في سورية الأسد، ولم يكن هناك أي خلاف بين الناس أو فتنة. هذا ما أراد أن يقوله الحسون الذي (نحبه).
العربي الجديد