استقبلني بالضرب واللكمات العنيفة، وأدخلني إلى زنزانة منفردة وقال لي أنت السجين رقم سبعة، وكل من يناديك بغير هذا الاسم لاترد عليه، حتى اسم أمك وأبيك يجب أن تنساهما، هكذا بدأ “محمد” إبن الـ 24 عاماً يسرد لنا قصته التي وصفها بالسوداء، في معتقل للنظام السوري، ثم صمت بعد أن خرجت دمعة من عينيه عنوةً وبغفلة من وعيه.
قبل أن يتبدل اسم “محمد” إلى السجين رقم سبعة، كان طالباً في كلية العلوم بجامعة حلب، وكان لديه أهل وأصدقاء، قبل أن يتم إعتقاله أثناء عودته من جامعته إلى قريته، دخل وخرج من المعتقل ولم يدر ماهي تهمته، ليبدأ الفصل الأسود في حياته عند اعتقاله على أحد الحواجز في الطريق الدولي بين محافظتي إدلب وحلب.
فالاعتقال صورة من أفظع الصور التي يتعرض لها السوريون لدرجة فاقت حدوددها وفظائعها حد االقتل، فقد وثقت إحصائيات الثورة السورية الأعداد الإجمالية لإنتهاكات الأسد بمعدل
– كل 4 دقائق يعتقل النظام مواطناً
– كل 10 دقائق يجرح النظام مواطناً
– كل 13 دقيقة يغيّب النظام مواطناً
– كل 15 دقيقة يقتل النظام مواطناً
– كل يوم…يقتل النظام 8 أطفال
– كل يوم…يقتل النظام 4 مواطنين تحت التعذيب
-كل يوم…. هجّرالنظام 3,000 مواطناً، وأجبر 6,500 مواطناً على النزوح في الداخل.
يتابع “محمد” بدؤوا بضربي منذ اللحظة الأولى التي وضعت فيها بالسيارة، وجن جنونهم عندما وجدوا بحوزتي ثلاثة هواتف جوالة متهمين إياي بالعمل في تصوير المظاهرات التي تخرج في الجامعة” هكذا وصف “محمد” اللحظات الأولى لإعتقاله، التي انتهت به إلى فرع المخابرات الجوية في محافظة حلب.
بدأ المحقق باستجواب “محمد” وهدده منذ اللحظة الأولى التي رآه فيها رافعاً عصاه «الخيزرانة»: «احكي من الأول أحسنلك وإلا!»، ولم يكمل جملته إذ قامت العصا بمهمة إكمال التهديد.
وتتالت الخطوات المتعارف عليها والتي يسمع بها كل السوريين، من ركل وضرب وصولاً إلى غرفة تحت الأرض، ومن ثم حلاقة الشعر بآلة حلاقة غير صالحة للاستعمال البشري، ما يترك الكثير من الندوب والجروح وألم اعتقده محمد ضخماً، ولكنه اكتشف أنه لا شيء مقارنة بما سيراه بعد بضع دقائق من ضرب وشتائم وإهانات.
تركوه من الصباح حتى المساء دون أن يُسأل أي سؤال أو أن يتعرض له أحد منهم، ليدخل عنصر ويأمره بخلع ثيابه كلها والبقاء بالثياب الداخلية فقط، وأدخلوه إلى غرفة رأى فيها 6 أشخاص كل واحد منهم يمسك بهاتف جوال، وآخر يفتش في أغراضه التي أخذوها منه.
حفلة الضرب بحق محمد بدأت بسرعة وبلا أية أسئلة أو انتظار للأجوبة، «دفعني أحدهم إلى الأرض وربطوا قدمي وتم رفعهما “للدولاب” وبدأ الضرب بالكرباج، وكنت كلما صرخت زادوا الضرب».
الضرب على القدمين تكرر كثيراً، ولكن ما إن توقفوا حتى طلب منهم المحقق «صلبه»، فثبتوا يديه بباب حديد، وتم رفعه ليبقى طرف إصبعه ملامساً الأرض، والضرب يأتي من كل الجهات وبكل الأشكال سواء باللكم أو باليد أو حتى بالكرباج.
صراخه لم يأتِ بنتيجة وعندما شعروا بالملل كمموا فمه بلاصق عريض لمنع صوته من الوصول إليهم.
«بقيت مصلوباً الليل بكامله وفي الصباح رموني في زنزانة جماعية، ليتلقفني زميل لي في السجن، الذي غطاني فوراً وألبسني قطعة من ثيابه، ووضع في فمي قطعة من الخبز، ومباشرة بدأ بتدليك قدمي وكأنه يعرف الطقوس كلها».
بعد خمسة أيام قرر المحقق أن يشرف على تعذيب محمد بنفسه يقول محمد: «بعد صلبي في تلك الليلة، جلس المحقق أمامي وقال لي: غني، وعندما ارتبكت سألته بنظراتي عن مدى جديته، أخبرني أنه سيشغل المسجل على أغنية وعلي أن أحفظها وأغنيها».
لم يستطع “محمد” أن يغني، لأنه وعلى رغم محاولاته الجدية حفظ الأغنية إلا أنها كانت تختفي من ذهنه بمجرد أن يتم إطفاء المسجل، والأغاني كانت مخصصة للأسد.
تم حرق شعر جسمه بقداحة العقيد نفسه، ومن ثم حرق أجزاء من الجسد بواسطة قطعة معدنية تم تسخينها.
عندما طلع عليهم نهار اليوم الثاني جاءه أحد العناصر وهمس في أذنه: «المحقق جانن، اليوم مات أخوه».
علم بعدها “محمد” أن ذلك اليوم هو يوم مجزرة الحولة 25 أيار (مايو) 2012 التي ضج بها العالم «لم أصدق عنصر الأمن طبعاً، ولكنني سرعان ما ندمت على عدم تصديقي عندما رأيت وجه المحقق وتأكدت أنه سيقتلني لا محالة».
«قبل أن يضعوني في الزنزانة قال لي المحقق بصوت لن أنساه ما حييت، “أنت رقمك 7 ، مين ما ناداك بغير 7ما بترد، بتنسى اسم أمك وأبوك، كلن صارو ا 7″.
محمد قضى سنة في سجن النظام، خرج ولا تزال آثار الحروق والندبات تغطي جسده، هرب إلى تركيا، وغادر إلى الأردن لتلقي العلاج.
أم محمد لا تزال داخل سورية وتنام كل ليلة لتلتقي مع كوابيسها التي لم تفارقها منذ اعتقال ابنها، رغم خروجه من السجن، لكن الألم والأهوال التي تعرض لها أصعب من أن تمحوها أيام وليالي.
المركز الصحفي السوري – ماهر حاج أحمد.