المعارضة السورية ومؤتمر الرياض منذ أكثر من شهرين طرحت السعودية فكرة عقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض يكون ساحةً لجمع ماأمكن من صفوفها، وصياغة رؤية سياسية تقدمها المعارضة فيما يخص تطورات الثورة السورية الميدانية والسياسية، والأهم من هذا، تصور المعارضة للفترات القادمة شاملاً مرحلة إسقاط الأسد ونظامه والمرحلة الانتقالية ومابعد ذلك..
تأجل المؤتمر المذكور، وليس له الآن تاريخ محدد. ولئن كثرت الأقوال والتفسيرات بهذا الخصوص إلا أنها بعيدةٌ عن حقيقة الأمر.
فمن ناحية، ارتأت القيادة السعودية أن تُعطي المؤتمر المذكور زخماً أكبر على المستوى السياسي الإقليمي والدولي. من هنا، انتقل الحديث الرسمي المُعلن عنها إلى وقت انعقاد القمة الخليجية التي سبقت اللقاء مع الإدارة الأمريكية.
ففي كلمة افتتاح القمة المذكورة، أوضح الملك سلمان بن عبد العزيز بشكلٍ صريحٍ ومباشر أنه لامكان لبشار الأسد حتى في المرحلة الانتقالية. وفي ختام القمة، جاء الإعلان عن عقد المؤتمر على شكل قرارٍ رسمي من قرارات القمة الخليجية. وكان هدف لقاء الرياض المُنتظر مُحدداً بوضوح في صيغة البيان الذي ذكر أنه يتمثل في “رسم ملامح مرحلة مابعد الأسد”.
كان الهدف من الإخراج يتمثل أولاً في إرسال رسالةٍ واضحة حول طبيعة القرار المتعلق برحيل الأسد، وبأنه بات أحد (ثوابت) الرؤية الاستراتيجية السعودية للمرحلة القادمة غير القابلة للتفاوض. وهذه رسالةٌ لجميع الأطراف ذات العلاقة الإقليمية والدولية لتأخذ علماً بها، فإذا ماكان ثمة حراك سياسي ومفاوضات، فكلها حول الآليات والتوازنات الأخرى المتعلقة بالشأن السوري بعيداً عن المساس بالثابت المذكور. ثم إن الهدف الآخر لإخراج قرار مؤتمر المعارضة في القمة تمثل في التأكيد على كونه لايتعلقُ بالسعودية وحدها، رغم قيادتها للعملية، وإنما في وجود الزخم الخليجي وراءها كحاملٍ إقليمي، وبشكلٍ يُلغي التشويش الذي ساد في المرحلة السابقة حول تفاوت مواقف الأطراف الخليجية من المسألة.
إلى هذا، جاء حضور الرئيس الفرنسي للقمة الخليجية، بمداولاتها وقراراتها ليُضيف رمزيةً سياسيةً مقصودة. فإذا أضفنا التنسيق المستمر القائم مع تركيا على مختلف المستويات فيما يتعلق بالملف السوري، ندرك خلفيات الترتيبات الدقيقة التي تقوم بها السعودية في هذا المجال.
يجب التوضيح هنا، وبقوة، أن المملكة لاتريد لهذا اللقاء أن يكون (مؤتمراً آخر) للمعارضة السورية، وإنما يجب أن يكون (المؤتمر)، بأل التعريف، الذي يضع تصوراً شاملاً، ليس فقط لكل عناصر المرحلة الانتقالية دستورياً وسياسياً وإدارياً وأمنياً واجتماعياً، بل وأكثر من ذلك، لعناصر وشروط الرؤية التي ستنقل سوريا وأهلها أيضاً من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار..هذا يتضمن أخذ وضع الجغرافيا السياسية لسوريا بعين الاعتبار.. من حيث رسم موازنات دقيقة تستجيب لخصوصية ذلك الوضع، إن لجهة التعامل مع القوى الدولية والإقليمية الداعمة لبشار، أو الخائفة من رحيله.. أو لجهة الترتيبات الداخلية المتعلقة بشرائح الشعب السوري ومكوناته..
يبقى في النهاية مسارٌ حساس يتعلق بتحضيرات المعارضة السياسية السورية للقاء. وهذه لاتزال (الخاصرة الطرية) للمشروع كما يشيع في أوساط تتابعه.. فقد كان مُعبراً لأصحاب العلاقة، مثلاً، أن يُسارع بعض أعضاء المعارضة لتقديم أوراق فردية تتعلق بالرؤية المطلوبة من (السوريين)، وبشكلٍ ظهر فيه، ليس فقط قصورُها الفاضح، بل والتنافس (الشخصي) المُعيب في مثل هذا المقام.. ولتجاوز هذه الممارسة يبدو أن الوقت آن لجهدٍ مؤسسي، بسيناريوهات مختلفة قيد الدراسة والتداول، يُلزم أطراف المعارضة بتقديم رؤية (سوريةٍ) واحدة وموحَّدة.
مؤتمر المعارضة السورية في الرياض مفصلٌ رئيسٌ في تاريخ سوريا وثورتها ودولتها القادمة. لكنه لن يُعقدَ إلا بتهيئة أسباب نجاحه. وفي حين أن السعوديين وغيرهم يعملون على ذلك، يبدو بعض السوريين، حتى الآن، العائق الحقيقي في وجه ذلك.