استطاعت “سلوى” تلك المرأة الريفية أن تنجح في سنوات الأزمة، فمحاولاتها لتأمين مصدر دخل كللت بالنجاح في وقت عجز كثير من الرجال عن إيجاد لقمة عيش، تقول دائما “أنه لا يأس مع الحياة”، فبدأت بزراعة أرضها والاعتناء بها والانصراف إلى شؤون أبنائها، لتبيع محصول العام بسعر جيد مقارنة مع محاصيل الأراضي المجاورة.
تعيش سلوى في منزل ريفي صغير شمال مدينة سراقب الواقعة في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة ادلب، بعد أن نزحت من سرمين بسبب فقدان زوجها في الثالث من أيلول عام 2013 تاريخ لا ينسى بالنسبة لها، ففي ذلك اليوم استيقظت على صوت مؤذن جامع قريتها الذي كان ينادي “من صاحب الرقم؟”، رغم أنها لم تكمل تعليمها الا أنها تملك ذاكرة قوية فقد قامت بإعطاء رقم أخيها لزوجها ليصحبه من المدجنة عند نهاية دوامه فجرا ” رقم أخي ؟؟ لماذا يرددونه في مئذنة الجامع “، تخرج مسرعة، أفكارها مشتتة، ولا تكاد قدماها تحملاها للوصول إلى مسجد الحي وقد تجمع سكان قريتها، تسأل رجلاً شاحب الوجه “ماذا حصل ؟؟ ” ليجيبها بحزن، “رجل مذبوح من دون رأس وجد بعد محاولة اقتحام الجيش لسرمين ليلاً”.
دون تفكير، دفعها شعورها لتدخل للجامع، فتجد جثة رجل ملقاة على الأرض، تقول بصوت خانق: ” إنه زوجي، ثيابه هي نفسها، وأنا من وضعت ورقة مكتوب عليها رقم أخي في جيبه” احتضنت جثته وبدأت بالبكاء، ” لماذا ذبح هكذا لماذا؟”، يخرجها أهل الحي من الجامع ليدفن زوجها من دون رأس.
تقول سلوى من هنا بدأت حكايتي ف تحدٍ كبير يقف أمامي، أولادي يحتاجون للعناية وتأمين جميع متطلبات الحياة والدراسة، لم يكن أمامي خيار سوى بيع كل ما كان يملك زوجي والرحيل لريف أقل خطورة من سرمين فقد تعرضت سرمين لكثير من الغارات الطيران الحربي السوري.
حياة المرأة الريفية صعبة ،تستيقظ باكرا لتجهز العجين لتأمين الخبز، وتعبئة الماء من الغطاسات الأرضية، كما تقوم أيضا برعاية الأغنام لتأخذ منها اللبن والحليب والسمن ،بالإضافة لمتابعة أمور الأرض الزراعية من جني للمحصول حسب الموسم، كل هذه الأمور استمرت بعد الحرب لكن بصعوبات أكبر فتعرض الأراضي الزراعية للقصف بات يشكل خطرا إضافياً عليها.
بوجه أسمر و يدين اتسمتا بالخشونة تتابع سلوى :” أبيع السمن العربي للمدينة أحيانا، فيصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 5000 ل. س كما أصنع اللبن وأبيعه ولكن بكميات محدودة ليصل سعر كيلو لبن الغنم ل300 ل.س”
من ضمن الصعوبات التي تواجهها سلوى في حياتها اليومية تأمين الكهرباء للغطاسات الأرضية التي تستخدمها في سقاية المحاصيل الزراعية، فمولدات المازوت كثيرة الأعطال بالإضافة لغلاء المازوت و رداءة نوعيته مما يسبب كثير من الأعطال .
تختم سلوى حديثها، فتضيف إلى قصة كفاحها نجاح أبنائها، فهي من دفعتهم للمضي في تعليمهم رغم كل الصعاب، إذ تقول:” هند ابنتي خريجة كلية التربية من جامعة ادلب، وأخوها خالد الأصغر طالب حقوق في جامعة ادلب في السنة الثالثة، أما آخر العنقود محمد فهو متفوق في الصف السابع “،”هذه هي ثروتي وأغلى ما أملك “.
المركز الصحفي السوري – أماني العلي