مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية
الحرب في سوريا دخلت عامها الخامس، وفي مؤتمر لجمع التبرعات عقد في الكويت، أخيراً، وعدت الكثير من الدول بمنح ملايين الدولارات كمساعدات للسوريين المحتاجين، وهذا يعني أن وكالات الإغاثة الإنسانية يمكنها الاستمرار في تزويد الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية، حيث قتل أكثر من 220 ألف سوري ونزح نحو ثمانية ملايين.
اللاجئون السوريون هم أكثر من يعانون، فقد شردوا من منازلهم وعذبوا واستغلوا وحرموا من الطعام والماء والرعاية الصحية، وتم تقسيم العائلات، وتدمير البلدات، وقد زرت سوريا سبع مرات، وتحدثت إلى اللاجئين خلال رحلات عدة إلى لبنان والأردن والعراق وتركيا، وخلال كل زيارة كان السؤال ذاته يتكرر علي، لماذا تخلى عنا العالم؟ لماذا لا يهتم أحد بنا؟
المصالح الضيقة
ولم توجه هذه الأسئلة للمجتمعات المدنية بل إلى قادتنا، وبالأخص إلى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وتحدث الناس عن كيف أن المصالح القومية الضيقة تجاوزت المسؤوليات العالمية الأوسع، على الرغم من جهود ثلاثة من أمناء الأمم المتحدة المختصين بملف الخروج من الأزمة.
إذن ما الخطأ في الأمر؟ وماذا يمكننا فعله بعد ذلك؟ ما يقلقني كل يوم هو عدم استطاعتنا حماية الناس، ليس في سوريا فقط بل في دول كثيرة أيضاً، فما مجموعه 193 حكومة من أعضاء الأمم المتحدة وقعت على الاتفاقيات والقوانين الدولية بهدف حماية الحقوق الإنسانية الأساسية، وحتى الحرب لها قوانينها، إلا أن القوانين والمعايير هذه لا يتم احترامها.
الحروب الحديثة يحتمل أن تشمل بشكل أقل القوات المسلحة القومية التي تقاتل بعضها بعضاً مقارنة بالماضي، فالحروب عادة ما تنشب بين قوات النظامية والمجموعات غير النظامية ذات الولاءات المعقدة والمركبة.
ويفرض هذا تحديات على المجتمع المدني وقوانين حقوق الإنسان، والجهات الفاعلة غير الدولية، والمجموعات المسلحة والارهابية والحكومات، تحت ستار محاربة الإرهاب، غالباً ما تظهر عدم احترام لحقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني واحتقاراً للحياة البشرية، وقد أقرت ثلاثة قرارات لمجلس الأمن بشأن وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في سوريا، إلا أننا لا يمكننا الإقرار بأن هناك تقدماً في هذا الشأن، لأن من غير الممكن في مناطق الحروب نزع فتيل العنف من دون وجود حوافز ومن دون الاتفاق على الآليات اللازمة لحماية المدنيين وإيجاد منطقة حظر جوي ومناطق آمنة، ولذلك قد يتواصل استهداف المدنيين.
حل المسألة
وهذه مشكلة معقدة للغاية، لكن لا يمكننا السماح لأنفسنا بالنظر إليها على أنها غير قابلة للحل، لأنها ليست كذلك. ولتحقيق تقدم ما يجب أن نركز الجهود على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، واستخدام خبرة الأمم المتحدة الواسعة، بما فيها ما يتعلق بالدبلوماسية العامة والخاصة للوصول إلى اتفاقية بشأن التحول السياسي في سوريا وعن آليات نزع فتيل العنف، ويجب محاسبة الدول الممولة للإرهاب، ويجب على الدول ذات التأثير استخدام قدراتها بشكل منسق ومنظم.
وفي المقام الأول، فإن حماية حقوق الإنسان الأساسية يجب أن تكون على سلم أولويات الدول، ونحتاج إلى تقسيم العناصر والمسؤوليات الواقعة تحت المساعدات الدولية وقوانين حقوق الإنسان، والسعي إلى التوافق في الآراء بشأن الاجراءات ذات الأولوية، ومنها على سبيل المثال حماية سلامة وأمن المرافق الصحية والعاملين، بشكل ينهي تجنيد الأطفال ويحمي النساء والفتيات، ويجب علينا وضع آليات حماية لدعم هذه القوانين.
جمود
يتطلب كسر الجمود السياسي الدولي بشأن سوريا تغييراً ملموساً في الحسابات، ووضع كل احتياجات المواطنين في أولويات صنع القرار، وتتطلع الدول إلى الأمم المتحدة لممارسة سلطة أخلاقية، إلا أن أملها يخيب مرة بعد أخرى، وتريد نظاماً دولياً يعزز المساواة وينصر الضعفاء والمظلومين ويحمي حقوق الإنسان ويحاسب أعضاءها.
وفي العالم الحديث وبوجود هذا الكم من التحديات، فإن الأمر يصبح أكثر صعوبة، لكن إذا كان الأمر ممكناً، فإن التحدي يتمثل في مدى العزم والالتزام الذي يمكن تحقيقه.
المصدر: البيان