«والله يا أخي ما ضل شي اسمو رخص. كلو عم يرتفع؛ المازوت، والحطب، والكاز، واللحم. آااه، اللحم من زمان نسيناه وما عاد نشوفه من العيد للعيد»؛ بهذه الكلمات بدأت أم مصطفى حديثها الطويل عن تغير عادات الطعام في أسرتها.
غلاء الأسعار زاد المعاناة
وصل سعر كيلو اللحم إلى ما بين 6 و10 دولارات، أي ما يشكل 15 في المئة من راتب الموظف الحكومي؛ ما اضطر الكثيرين إلى اللجوء إلى خيارات بديلة كاللحوم المثلجة المستوردة، مجهولة المصدر وسيئة النوع وكريهة الرائحة، والمعلب منها (المرتديلا).
أجبر الغلاء الناس على تغيير تقاليد الطعام التي تعارفوا عليها، وأسهم في اندثار الكثير من العادات الاجتماعية، كمآدب الأعراس والوفيات والولائم الجماعية التي كانت تقام في الأرياف والمدن في المناسبات الشخصية والعامة.
أم مصطفى (52 سنة)، من ريف جسر الشغور، اعتادت على اجتماع الأبناء والبنات كل يوم جمعة في منزلها، وكان هذا اليوم يعدّ يوم الطعام بمختلف أنواعه. أما الآن فتقول: «كل شيء تغير. ما عاد نجتمع متل قبل، وما عاد أطبخ متل قبل. وبدلنا اللحوم السورية الحمرة بلحوم متلجة طعمتها غريبة. من كم يوم عملت محشي بمرتديلا، ومنيح بمرتديلا لأنه بالعادة عم نعمله بزيت. قبل كان بيتنا عامر بالضيوف، ما بيمر أسبوع بدون ما نعمل عزيمة كبيرة. وهلق هالشي صار مستحيل».
عادات اجتماعية تغيرت
اعتاد السوريين بشكل عام، وأهالي الأرياف خصوصاً، على اجتماع أهل القرية في المناسبات، ولا سيما في الأعراس والمآتم التي لا تمر إلا وتطبخ فيها «المناسف». أما الآن فقد اختفت هذه العادات بسبب غلاء اللحوم وحالة الحرب، ومن يصر على أن يحافظ عليها استبدل بلحم الخراف لحم الدجاج المجمد والمستورد، بكميات قليلة جداً، مع تضييق دائرة المدعوين.
محمود الصطوف (62 عاماً)، من المعلقة بريف إدلب، قال: «كل شيء تغير. كنت في العام الواحد بدبح ع القليلة 15 خروف بعدة مناسبات. بربّي غنم بس حتى ما أشتري لحمة من السوق. كل ما يجينا صديق بدبح. حتى لمن نندعى لعرس أو نروح على عزا كنا ناخد معنا خروف. أما اليوم ما عاد نروح على تعازي، رغم كترة التعازي، ولا عاد نندعى لأعراس، ولا عاد ندبح. حتى الغنم بعناه حتى يسهل علينا النزوح. ولمن يجينا ضيف صرنا نشتري من هذا الفروج المجمد يللي ريحته ما بتنطاق».
إرضاء التجار تسبّب في ارتفاع الأسعار
السبب الأبرز لارتفاع أسعار اللحوم هو انخفاض الليرة السورية أمام الدولار. ومما أسهم في ارتفاع أسعار اللحوم خصوصاً سماح وزارة الاقتصاد في حكومة النظام بتصدير الأغنام والماعز إلى الدول المجاورة، بهدف إرضاء التجار والمتنفذين المساندين له في حربه ضد السوريين ليكونوا المستفيد الأكبر من فارق السعر. ناهيك عن ارتفاع أسعار مواد الإنتاج من علف ووقود، و«الأتاوات» التي تفرضها حواجز النظام على النقل، بالإضافة إلى انتشار تهريب المواشي إلى الدول المجاورة، وانعدام الرقابة في المناطق المحررة شمال سورية.
أم علاء (48 عاماً)، من نازحي حلب إلى إدلب، تحدثت عن مشقة تأمين الطعام اليومي لأطفالها الستة: «ما عدت بملك شي بعدما حرقت كل شي منملكه بحلب وطلعنا بتيابنا. عم نعتمد بمعيشتنا ع اللي بتوزعه المنظمات، وصار أكتر أكلنا معكرونة ورز وبرغل.. لمن بيشتهو الولاد اللحمة بروح ع القصاب وبطلب منه العضام والشحمة وأنا خجلانة، وبتحجج أنها أكل للقطط حتى ما ينظر لي نظرة شفقة. بكره كتير أنه حدا يتحنن علي وعلى ولادي».
لحوم لا يعرف مصدرها تغزو الأسواق
يستورد التجار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لحوماً لا تخضع للرقابة أو للفحص الصحيح، ولا يلتزمون بطرق صحية للنقل والعرض. إذ يتم نقل اللحوم بشاحنات مكشوفة (قاطرات) تنتظر التفتيش على المعابر والحواجز لساعات طويلة وربما لأكثر من يوم، وهي عرضة للشمس خلال أيام الصيف، وتخزن في المستودعات لأيام أحياناً، قبل أن تنقل إلى محال البيع حيث تعرض على صناديق خشبية أو كرتونية، مكشوفة لأشعة الشمس وغبار السيارات، بالإضافة إلى الانقطاع المستمر للكهرباء التي يتم استجرارها من محركات الديزل أو «الأمبيرات» غير المستقرة.
كسار نصر الله (45 عاماً)، لحام من قلعة المضيق بريف حماة، قال: «قبل الأحداث كنت بدبح كل يوم بين 6 و8 روس خراف، أما اليوم كل 4 أيام بدبح راس واحد. أغلب الناس ما عادت تقدر تشتري لحمة مزبوطة وصارت تعتمد ع المجمد والمستورد بسبب الفرق الكبير بالسعر».
عين المدينة – مريم الاحمد