ارتفاع مستوى الفقر المدقع لدى اللاجئين في بلد يعاني سكانه أصلا الفقر ويفتقر إلى البنية التحتية والتنمية يشكل خلطة سحرية للعنف وينذر بمخاطر على المستوى القريب والبعيد.
تقف أم ملهم اللاجئة السورية في أحد مخيمات البقاع شرقي لبنان محتارة بعد أن أعيتها السبل في تأمين الغذاء الكافي لعائلتها المكونة من سبعة أشخاص، بينهم خمسة أطفال أكبرهم عمره ست سنوات، فمساعدات الأمم المتحدة التي لا تتجاوز 250 دولارا شهريا لا تكفي لتأمين وجبة واحدة يوميا.
داخل الخيمة التي تعيش فيها مع أسرتها، يوجد بعض الطعام المعلب وقليل من الخضروات، ومجموعه لا يكفي العائلة أكثر من يومين، ورهان الأسرة الوحيد عمل زوجها أياما قليلة في الشهر حاملَ بضائع.
لم يدخل أي من أولادها الخمسة مدرسة منذ رحيلهم من إدلب في سوريا إلى لبنان مع بداية الثورة السورية قبل أكثر من أربع سنوات، وثلاثة منهم لم يذقوا طعم النوم تحت سقف منزل، وإنما تفتحت أعينهم داخل خيمة ظلوا فيها حتى الآن حيث لا مياه نظيفة ولا أماكن مجهزة للراحة واللعب.
تقرير أممي
ومثل أم ملهم وعائلتها يعيش آلاف السوريين الذين لجؤوا إلى لبنان منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 والذين كشف تقييم سنوي صادر عن الأمم المتحدة بشأنهم أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع منهم ارتفعت إلى 70% مقارنة بـ49% العام الماضي.
وبحسب التقرير فإن اللاجئين يعيشون ظروفا صعبة قد تجعل من مخيمات الورق التي يعيشون فيها قنابل موقوتة بوجه المجتمع المحيط والمجتمع العالمي “الذي يبدو أنه تخلى عنهم”.
وجاء في التقرير أن حوالي 90% من النازحين غرقوا في الديون بفعل الاقتراض لتغطية احتياجاتهم الأساسية، وأن كل أسرة من أصل ثلاث أسر سورية تحتاج إلى إنفاق ما لا يقل عن 400 دولار أكثر من دخلها الشهري.
كما تضاعف مستوى انعدام الأمن الغذائي المعتدل بنسبة بلغت 23% من الأسر، في حين انخفضت نسبة تلك التي تتمتع بأمن غذائي إلى 11% هذا العام مقابل 25% عام 2014.
وبحسب التقرير الأممي فإن ثلثي الأطفال دون سن الخامسة يتناولون أقلّ من ثلاث وجبات ساخنة في اليوم، و3% فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و17 شهراً حصلوا على الحد الأدنى من النظام الغذائي المقبول.
خلطة للعنف
وترى الباحثة الاجتماعية منى فياض أن ارتفاع مستوى الفقر المدقع لدى اللاجئين في بلد يعاني سكانه أصلا الفقر ويفتقر إلى البنية التحتية والتنمية يشكل خلطة سحرية للعنف، محذرة من مخاطر هذا الأمر على المستوى القريب والبعيد.
وقالت فياض للجزيرة نت إن اللجوء بحد ذاته يسبب مشاكل نفسية واجتماعية حتى في البلدان الغنية فكيف إذا كان إلى بلد كلبنان حيث يعيش معظم اللاجئين في خيم وأجواء غير نظيفة ولا توجد مدارس ولا يتلقون رعاية صحية، معتبرة أن هذا الأمر يهدد بارتفاع مستويات العنف والجريمة والدعارة والاتجار بالأطفال وعمالتهم.
وذكرت أن هناك جيلا كاملا يولد ويتربى في بيئات غير صالحة ومعظمهم يعانون الأمية، وقد يبقون سنوات طويلة على هذه الحال وينضم إليهم آخرون “طالما الدول الكبرى لا تزال تهيئ كل مستلزمات استمرار الحرب السورية”.
ولفتت إلى أن الأبناء ينشؤون على مشاهد الموت والقصف والدمار، وهذا يعزز ميول العنف لديهم خصوصا في البيئات الفقيرة التي ينمون فيها، محذرة من أن “استمرار هذا الأمر لسنوات سيولد تطرفا أكبر من الذي رأيناه من قبل”.
المصدر : الجزيرة