بقلم : طارق فكري – كاتب وباحث سياسي
ما يحدث في سوريا ليس وليد الربيع العربي، وإرهاصات التغيير السياسي الذي اعترى المنطقة العربية، بقدر ما هو نتاج كمٍ من الظلم والقهر والمجازر التي أحدثها حافظ الأسد وأسرته، وما الربيع العربي إلا باب قد فتح لتتدفق منه الملايين الهادرة من الشعب السوري؛ لِتُعلن غضبتها، وتُخرج صرختها، وما فتح الباب إلا على مجازر جديدة، وسلخاناتٍ آدمية يندى لها جبين البشرية.
وازدادت الأزمة وامتد أمد الصراع مع قوى القمع الأسدية الغاشمة؛ بتدخلات خارجية ذات مصالح متشابكة، وأطماع متباينة تتمثل في قوى دولية وإقليمية, ألا وهي : أمريكا – روسيا – السعودية – إيران – تركيا.
هذه الأطراف الآن تمثل أطراف صراع وحرب واقتتال وبالتالي، هل يكونوا أطرافًا في الحل؟
أولا نُلقي الضوء حول توجهاتهم وأهدافهم ومآربهم من الدولة السورية :
فأمريكا: تمشي الهوينا تجاه إجراءات التفاوض، والحل لحين تولي رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية بعد تراجعها عن التدخل العسكري، ومن قبل طرحوا التقسيم ثم تراجعوا عنه، يقول نعمان قورتولموش، نائب رئيس الوزراء التركي،”نحن لا نريد أن يتحّول الوضع في سورية إلى حرب شاملة، ونرى أن الولايات المتحدة تحدثت عن خطة تقسيم سورية كخطة بديلة لكنها تخلّت عنها”.
تنبيه: تقسيم الدول المحيطة بإسرائيل وتحويلها لدول ضعيفة يصُب في مصلحة إسرائيل؛ فأي تغيير بالخريطة الجيوسياسية لن يتم بدون توقيع إسرائيل بالموافقة عليها أو الرفض لها.
الُلعبة الخطرة التي تلعبها أمريكا الآن هي التمويل الموجه لمحاربة داعش فيما يسمى “بالجيش الحر الجديد” والمكون الأساسي له هو الأصالة والتنمية المنتمي للإخوان، وبعض السلفيين، والمنشقين من جيش النظام الأسدي؛ وتلك لُعبة تحول المقاومة إلى تصارع واقتتال، يُضعف قوتها أمام نظام الأسد، ويُشغلها عن محاربة النظام.
روسيا: لها مصالح اقتصادية تتعلق بالطاقة، ومع تمسكها ببقاء الأسد أوجدت لنفسها دوراً سياسياً في المجتمع الدولي بعد تلاشي وجودها السياسي، وتفرد أمريكا، ولها شبكة من المصالح مع إيران الداعم الأول لبشار.
السعودية: بادرت بالتواجد داخل هذا الميدان لتفويت الفرصة على إيران بالانفراد في المنطقة، ومواجهة المد الشيعي، والمتمثل في الزحف الفارسي التتري.
إيران: مساندتها لبشار ليس لمجرد شيعته العلوية فهو مذهب منكر عند الإيرانيين، وغير مقبول عند مراجعهم، ولكن دينها المصالح فهي تأمل أن يمر خط الغاز الإسلامي عبر سوريا وبحماية والي إيران بشار، وخط الغاز يتعارض مع مصالح قطر التي تُعد ثالث دولة مصدرة للغاز.
تركيا: هي أيضا لها مصالح تجاه الطاقة من الممكن أن تكون أفضل مع وجود بشار، ولكن أيدلوجية الحزب الحاكم آثرت مصالح الأمة، وتغليبها على مصالحها المادية الضيقة، فهي ترنوا لمنطقة تعتليها نُظم ديمقراطية توفر الحرية لشعوبها.. كما أن الحرب الدائرة في سوريا منحت فرصة امتلاك السلاح للحزب الكردستاني؛ وطالبت تركيا مراراً بعمل منطقة آمنة، ولم يُستجب لها، ولم تمكن من ذلك.
هذه الأطراف لها دورها وتأثيرها، سواء على نظام الأسد أو على المقاومين المجاهدين في الميدان؛ لما لهم من تمويل ومساعدة عليهم، وإن لم يكن هذا أو ذاك فهناك دول كبرى دولياً أو إقليمياً لها مصالح يجب أن تُحسب وتوضع في الميزان، وعلى ذلك فهذه الأطراف الدولية والإقليمية هي من تملك الحل، ومن السطحية المُفرطة ما اقترحه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية “أنس العبدة” بتشكيل آلية تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لحل الأزمة السورية، مشيرًا أن تلك الآلية حققت نتائج أزمة برنامج إيران النووي.
وما طُرح حول اقتصار الحل على الأطراف العربية لهو ضرب من الخيال، فتلك الأطراف تُعاني من التبعية، وتئن شُعوبها من التدخل الأجنبي.. فكيف لها أن تصبح ذات رؤيا وحل منفرد عن الأطراف الدولية؟
ما تردد من قبل عن إرهاصات حرب عالمية لهذه الأطراف الدولية الكبرى لهو ضعف في النظرة السياسية، انكشف خطأه بعد ذلك، بل تحول إلى اتفاق وتفاهم بين هذه الأطراف أكثر مما اختلفوا عليه.
أول خُطوات الحل لهذا الصراع الذي تحول لكارثة حقوقية وسياسية وإنسانية تكمُن في:
رحيل نظام الأسد :
نقول: القُوى التي تملك خيوط الصراع تختلف حول رحيل نظام الأسد، فأمريكا موقفها في أول الأزمة كان متمسكاً برحيله، أما الآن ففيه تراخي وإن لم يعلنوها، ولكن الموقف الرسمي المُعلن هو رحيل نظام الأسد، ويتبع أمريكا في ذلك أوروبا، قال السفير البريطاني الجديد في روسيا لوري بريستوو، إنه لا يرى فرصة لتسوية مستقرة ودائمة في سوريا طالما بقي الرئيس الأسد في الحكم، داعياً موسكو للتأثير على دمشق لتحريك مفاوضات جنيف.
خلافاً للموقف السعودي، والتركي المتمسك برحيله، وعدم قبوله كمرحلة انتقالية، في حين أن روسيا متمسكة بنظام الأسد وتُصدِّر إعلامياً أن البديل عن بشار هو داعش، والإرهاب المسلح بسوريا ،كما أن نظرة روسيا لكل الفصائل المقاومة أنها فصائل إرهابية أُصولية، ومع هذا لا يُمثل بشار إلا مجرد ورقة سياسية تستخدمها روسيا لمصالحها الاقتصادية والسياسية.
وهنا:على فرضية بقاء الأسد.. هل يقبل الشعب السوري وفصائله المجاهدة أن يضعوا السلاح بعد قتل بشار لأكثر من نصف مليون سوري؟
وهل يقبل الشعب السوري بدخولهم بدمٍ بارد في عملية سياسية انتقالية يتزعمها الأسد ونظامه القاتل للأطفال والنساء؟
أقول: مع تعدد الفصائل المقاومة واختلاف مشاربها، ومع هذه الجرائم الإنسانية التي قام بها النظام؛ فليس من المعقول أن يقبل الشعب السوري بمجاهديه هذا الحل الذابح للسوريين، وكأن العالم يقول للسوريين أطفالكم الثكلى ودماؤكم الهادرة لا تعني شيئاً عندنا، وعودوا إلى مقاعدكم، أو كما يقولون في الجيش، كما كُنت.
وأنا على يقين أن ساعتها لن تتوقف الفصائل السورية المجاهدة عن الحرب والنزال، ولن نرى غير دماءً أكثر يُهدرها نظام الأسد بيد الشرعية الدولية التي مُنحت له.
ومع اختلاف القوى الدولية والإقليمية حول رحيل النظام، فما الحل؟
الحل يقع على الأطراف التي اعتمدت رحيل نظام ةالأسد حلا سياسياً تُبنى عليه مرحلة انتقالية تصعد بسوريا للأمن، والتقدم، والاستقرار السياسي.
لن يكون ذلك إلا بجمع فُرقاء الجهاد المقاومين لهذا النظام الفاشي القاتل، ودعمهم عسكرياً ولوجستيًا؛ لإضعاف الأسد، مع استثناء داعش؛ لما لها من أيدلوجية فكرية لا تقبل الآخر، وتكفر المسلم، ولا تتخذ الوسطية منهجاً ولا تريدها طريقاً.
يتم الحسم على مائدة المفاوضات من خلال الحسم في ميدان المعركة، أولا. فمع ضعف نظام الأسد على الأرض، ومع بعض التعهدات للدول الرافضة برحيله، والتطمينات على مصالحها وتواجدها بالمنطقة؛ ستتنازل عنه، وتدخل في صفقة سياسية تضمن المحافظة على شبكة المصالح الخاصة بها، ولكن نُكرر أولا إضعاف النظام على الأرض وتطويقه ومحاصرته عسكرياً ليتم ذبحه سياسياً على طاولة المفاوضات، وهذا ما فطنت له روسيا فسارعت بدعمه على الأرض ثم الجلوس للتفاوض .
أحب أن أُنوه أن من يجلسون على طاولة المفاوضات باسم السوريين سواء في جينيف، أو ميونخ، أو فيينا. يجب أن يُعبروا عن الداخل، وأن يكونوا امتداد لعمق الألم السوري، وما يُعانيه المواطن من قصف وجوع، وغرق في عباب الأمواج وغربة وتشرد في دول العالم، كما يجب أن يُعبر عن صوت الرشاش وسواعد المُجاهدين.
وأتوجه إلى أبناء الحركات الإسلامية الطامحين في أن المُجاهدين في سوريا قادرين على حسم المعركة وإقامة الدولة، كفانا أماني حالمة وتجاهل لمعطيات الواقع، وتغافل عن موازين القوى التي لم يغفل عنها الله في الصراع بين الحق والباطل في القرآن.
فهب أن نظام الأسد قد زال، فمن المعْنيّ بتأسيس الدولة، أي فصيلٌ من المُجاهدين، وهم شركاء مختلفون.
ساعتها ستكون بين هذه الفصائل حربٌ، وما حدث مع طالبان وبرهان الدين رباني والشاه مسعود في أفغانستان ليس منا ببعيد، مع سهولة الوضع وبساطته عن شبيهتها سوريا فالفصائل متعددة والقوى متقاربة؛ مما يؤهل لصراع طويل لا ينتهي.
فانتهوا وتعاطوا مع الواقع، وتدرجوا للوصول للهدف، وتعلموا المقاصد من شريعتنا، وقدروا المالآت من معطيات الواقع، ولا تُهلكوا الأنفُس بالتنطع في الجهاد، ولا تُضيعوا الدين بترككم له فهو ذروة سنامه، فالأمة المنتصرة في ميدان المعركة هي التي تُدير طاولة التفاوض.