مئات الغارات الجوية والبراميل المتفجرة استهدفت الأراضي المحررة في سوريا بعد اندلاع الحراك الثوري في منتصف آذار/مارس 2011، نتج عن ذلك القصف العنيف آلاف الضحايا من المدنيين الآمنين في مناطقهم، مما دفع السوريين للمحاولة لإيجاد شيء يقيهم وطأة القصف اليومي.
” القبضة ” عبارة عن جهاز لاسلكي ينتشر بكثرة في المناطق المحررة، ولعل الهدف الأساسي منها هو رصد حركة الطيران الحربي فور انطلاقه من المطار حتى تنفيذه وعودته إلى قاعدته، يتم ذلك عن طريق مراصد خاصة تملك أجهزة تنصت تستطيع من خلالها الاستماع لما يقوله الطيران وترجمة الرموز التي يتواصل من خلالها مع المطار الذي انطلق منه، فيقوم أصحاب المراصد بمعرفة جهته وعدد التنفيذات التي سيقوم بها وما هي فترة بقائه في الأجواء.
لا يتوقف انتشار القبضات على العسكريين فقط، بل تجدها تغزو معظم البيوت في المناطق المحررة، فهنالك تردد معين مفتوح لكافة الناس ليتمكنوا من الاستماع إلى المراصد أثناء تعميمهم عن وجود طيران في المنطقة، فيتوجه بذلك المدنيون إلى مناطق أكثر أمانا أو يأوون إلى الملاجئ للاختباء.
و ليس المدنيون فقط هم من يستخدمون القبضات، ففرق الإطفاء والإسعاف والدفاع المدني يعتمدون بشكل أساسي على تلك الأجهزة في عملهم وخاصة عند وقوع أي قصف أو حادث معين، فيتم التعميم من خلال القبضات لتلك الفرق وإعلامهم عن مكان الحادثة عبر تردد خاص بفرق الدفاع المدني والإسعاف والإطفاء، ليتوجهوا على الفور للمكان والقيام بعملهم.
وبعيدا عن استخدام القبضة في الأغراض العسكرية وتحذيرات الطيران، أصبح المواطنون يستخدمونها في يومهم بشكل اعتيادي في حاجاتهم الخاصة، فتقول “أم عبد الرحمن” من مدينة إدلب في الشمال السوري: ” لدينا في المنزل قبضتان، تبقى الأولى في المنزل عندما يخرج ولدي عبد الرحمن ويأخذ معه الأخرى، فإذا احتجت لشيء ما أو لغرض معين أقوم بالتواصل معه عبر القبضة الموجودة عندي لأطلبه منه أو لأعرف المكان الذي يوجد فيه”.
هذا وتستخدم القبضة في بعض الأحيان بغرض التسلية، إذ يوجد عليها ترددات معينة تقوم ببث الأغاني والأناشيد الثورية، فيستمع إليها الناس في أوقات فراغهم أو يرفعون صوتها ويضعونها بمكان مكشوف لتنتشر تلك الأغاني على مسمع الجميع.
تعاني أجهزة القبضات من بعض المشاكل، فأحيانا يصبح عليها تشويش من قبل بعض الأشخاص القريبين منها الذين يقومون بقصد أو دون بالضغط على بعض الأزرار الموجودة على القبضة التي بحوزتهم فيقومون من خلال ذلك بالتشويش على كلام المراصد وخاصة عند وجود طيران في الأجواء، وفي بعض الأحيان تقع القبضات في أيدي الأطفال فيقومون بفتح التردد وإشغاله فلا يستطيع بذلك باقي المواطنين سماع المراصد وحركة الطيران.
القبضة وغيرها كثير من الوسائل في المناطق المحررة، إن دلت على شيء فإنها تدل على صمود الشعب السوري في مواجهة آلة الموت الشرسة التي تحاول النيل من أكبر عدد ممكن من المواطنين الآمنين في مدنهم، إلا أنهم ما زالوا في مدنهم يتحدّون شتى أشكال القصف والموت التي تواجههم.
المركز الصحفي السوري – محمد تاج