خوفا من عبور البحر الأبيض المتوسط وعدم الارتياح لتقارير تأمين اللاجئين الأوروبية فإن السوريين يبحثون عن السلامة المحفوفة بالمخاطر من مالي – التي هي بحد ذاتها تعيش على الدعم الإنساني، وتواجه تحديات أمنية خطيرة.
“حتى أن هذا أفضل من القصف الجوي” يقول سائق سيارة أجرة سابق من ادلب عبد الحميد ضاهر، 57. يجلس خلف الملعب الوطني، ملعب 26 مارس، في باماكو. صديق من نفس المدينة في شمال غرب سوريا لديه وظيفة حراسة شاحنة تقف في أرض خالية. ضاهر يقضي أيامه هنا في شرب الشاي ما عدا أيام الاثنين. حيث يذهب إلى السفارة الألمانية كي يسأل إن كان بإمكانه أن يلتحق بزوجته وأطفاله السبعة في دورتموند. لقد واجه نفس الروتين لمدة سبعة أشهر.
وتظهر التقارير القادمة من شمال مالي أن المئات من الناس – ربما يصل الى 2000 – قد هاجروا من سوريا منذ تشرين الأول. ولكن هذه الأرقام غير مؤكدة. ولا يوجد أحد لديه سجلات في الخليل – مركز حدودي في الصحراء بين مالي والجزائر.
تبدوالصورة أوضح في باماكو. ففي الشهر الماضي،أكدت وكالة اللاجئين التابعة للامم (UNHCR) أنها قد سجلت 92 سورياً في عاصمة مالي. وقد تم منح جميعهم إلا عشرة منهم صفة لاجئ. ومعظهم، مثل ضاهر، يريدون الانضمام إلى أقاربهم في أوروبا.
وأضاف “انفصلنا عن بعضنا بسبب الحرب. عندما بدأ القصف أرسلت زوجتي والأطفال الصغار إلى مكان مجاور لمدينة إدلب، و أحد أبنائي كان لديه عمل في موقع بناء في ليبيا. وكان قادرا على إخراجهم وأخذهم إلى إيطاليا ثم ألمانيا، و لكنني خرجت لاحقاً . “
لقد بلغت رحلة ضاهر حتى الآن 7،000 كم تقريباً.و كان قد هرب من سوريا إلى تركيا – “لكن البحر الأبيض المتوسط كان مرعباً جدا” وأمضى خمسة أشهر في العاصمة الموريتانية نواكشوط قبل أن يسافر إلى مالي.
” لقد جئت إلى باماكو لأن هناك سوريين آخرين هنا ومالي لديها سمعة جيدة . فالناس هنا لا يتحدثون العربية ولكنهم لطفاء . نحن لا نجوع هنا أبداً. وأكبر مشكلة لدينا هي القذارة والبعوض التي تسبب لنا الملاريا “، يقول ضاهر المصاب بداء السكري والذي يتلقى العلاج في مستشفى حكومي .
إن مالي هي واحدة من أفقر البلدان في العالم ومشهورة بنسبة الهجرة على نطاق واسع أكثر من شهرتها باستضافة الللاجئين – حيث يعبرالآلاف من الشبان الصحراء كل عام في طريقهم إلى أوروبا. ومنذ عام 2012، تعرضت لهجوم من قبل جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة حيث تدخلت فرنسا عسكريا في عام 2013. وفي الوقت الحالي ينتشر حوالي 12600 من جنود الأمم المتحدة والشرطة المحلية في البلاد، والتي لديها الآلاف من المواطنين النازحين وارتفاع مستويات الفقر وسوء التغذية.
وتعيش سبع عائلات سورية في شقة من ثلاث غرف بالقرب من الملعب. ليس لديها أي أثاث – فقط الفرش والناموسيات، وجاءت هذه العائلات الى الحي بسبب أن جمال أحمد البالغ من العمر 35 عاماً يحرس الشاحنة هنا. “لقد وصلت إلى غرب أفريقيا قبل الحرب منذ خمس سنوات. تم توظيفي من قبل رجل لبناني من أجل قيادة الشاحنات في بوركينا فاسو. ولكن ذلك لم يكن ناجحاً فجئت الى مالي. ثم التحق بي زوجتي وأطفالي الستة قبل عامين . أنا أكسب 100،000 فرنك افريقي أي ما يعادل ( 200 $ ) شهرياً. وكل شيء آخر هو مؤسسة خيرية. هناك رجل موريتاني يدفع الرسوم المدرسية لجميع لأطفالنا. لقد أعطانا الرجل المالي الذي يمتلك الشاحنة شقة لنستخدمها. ودفع لنا بعض أصحاب الأموال اللبنانيين فواتيرالمياه والكهرباء. ولكن ظروف العيش سيئة وهناك المجاري مفتوحة في كل مكان”.
يقول أحمد، الذي كان يعمل سائق شاحنة في سوريا، إن معظم اللاجئين يريدون الذهاب إلى ألمانيا أو السويد. وأضاف “لكن تسييرالأوراق يسير بشكل بطيء. ونحن نشعر بالعجز. اتصلنا بعدة جمعيات خيرية دولية مختلفة ولكن واحدة فقط استجابت وأعطونا القليل من المال.
ومن بين السوريين حوالي 20 كرديا من كوباني يعيشون في جزء آخر من باماكو. حيث وصل الميكانيكي عنتر خليل (45 عاما) منذ 16 شهرا مع زوجته وأطفاله الخمسة. إنه يريد الذهاب الى السويد، سويسرا أو كندا ويعبر عن امتنانه الكبير لمالي. “لم يكن هناك عمل للأجانب في موريتانيا. هنا بإمكانك أن تدبر حياتك إذا كنت على استعداد للقيام بأي عمل. الماليون يدفعون من 5000 فرنك إلى 20،000 مقابل أي شيء في اليوم الواحد. إنهم يفعلون أقصى ما في وسعهم بالنسبة لنا “.
في الأشهر القليلة الماضية، قدمت مفوضية الأمم المتحدة الناموسيات والفرش وأدوات المطبخ وهبات نقدية. وتضغط الوكالة على الحكومة المالية لتسجيل السوريين كلاجئين وترفع مستوى الوعي بوجودهم مع سفارات الدول التي يرغبون في الذهاب إليها
كما تمر الشهور، ينمو الخطر من أن البعض سيحاول أن يتبع الطريق المحفوف بالمخاطر عبر الصحراء إلى الجزائر أو ليبيا. و تحذرالمفوضية العليا للاجئين من مخاطر ذلك ولكنها لا تستطيع إيقافه. ولأسباب تتعلق بالأمن والموارد فليس للوكالة موظفين في أقصى شمال مالي. وفي أيلول تم القبض على مجموعة من السوريين مكونة من 36 شخص في غاو. وعندما ذهبت المفوضية إلى مركز الشرطة بعد يومين من اعتقالهم، كانوا قد غادروا- ربما من أجل عبور الصحراء مع المهربين. ولم يتم معرفة مكان تواجد حوالي 2000 سوري في مدينة خليل.
وقال مسؤول في المفوضية في باماكو،”إن السوريين يعيشون في ضائقة ولكن هناك حدود لما يمكننا القيام به”. و أضاف إننا ” بحاجة لتوفير الحماية بدون تمييز. وهناك 15،000 موريتاني في كايس -غرب مالي. ولدينا أيضا لاجئين من ساحل العاج والكونغو. وبشكل غير متوقع استقبلنا 1000 لاجئ من جمهورية أفريقيا الوسطى في العام الماضي”.
وقال منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة لمنطقة الساحل، توبي لانزر إنه كان على علم بوجود السوريين في مالي. وقال “أن يعلقوا في مالي هو أبعد ما يتمناه أي لاجئ من سوريا .و قد تلقت وكالات الإغاثة أقل من 15٪ من أموال التمويل التي تم تنفيذها (في إطار خطة الاستجابة الإنسانية 2016) من أجل القيام بأعمال لمصلحة الشعب المالي. إذا لم تكن الموارد متوفرة، فيجب أن نقوم بالخيارات القاسية.”
الغارديان: ترجمة مجد الدين طعمة- السوري الجديد