تقول منظمة العفو الدولية “أمنستي إنترناشيونال” إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، عبر الاستخدام المنهجي للبراميل المتفجرة لقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية في حلب.
وردت هذه الاتهامات في تقرير نشر يوم الثلاثاء الماضي، بعد يومين من قصف النظام لمدرسة ومركز مجتمعي في منطقة يسيطر عليها الثوار في المدينة، حيث كان الطلبة يؤدون الامتحانات.
مستنداً إلى أكثر من 100 مقابلة أجريت مع سكان حاليين وسابقين -العديد منهم ناجون وناشطون- وتحليلات لصور وأشرطة فيديو من المدينة المحاصرة، يوثق التقرير الذي يقع في أكثر من 74 صفحة وقوع “فظائع لا يمكن تصورها”. وتتضمن هذه الفظائع ضربات جوية قتلت مدنيين في الغالب، بالإضافة إلى حملات اعتقال وتعذيب تعسفية من جانب طرفي النزاع على حد سواء، كما يقول التقرير.
كما يتهم التقرير مجموعات المعارضة المسلحة بارتكاب جرائم حرب عبر استخدام مدفعية بدائية وغير دقيقة ضد المدنيين. ويقول فيليب لوثر، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، في تصريح له: “أفضت الأعمال الوحشية واسعة النطاق، بالإضافة إلى القصف الجوي المتواصل للضواحي المدنية من جانب القوات الحكومية، إلى جعل الحياة بالنسبة للمدنيين في حلب لا تطاق على نحو متزايد“.
وأضاف: “إن هذه الضربات المستمرة التي تستحق الشجب على المناطق السكانية تشير إلى سياسة تستهدف المدنيين عن عمد وبطريقة ممنهجة في هجمات تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”. وأضاف: “ومن خلال استهداف المدنيين بلا توقف وعن عمد، تبدو الحكومة السورية وأنها قد تبنت سياسة قاسية تقوم على العقاب الجماعي ضد السكان المدنيين في حلب“.
ما تزال حلب، التي تعد العاصمة التجارية لسورية، تتحمل تبعات ثلاثة أعوام من الكوارث منذ أن أصبحت ميدان معارك رئيسياً بين نظام الأسد والثوار الإسلاميين في أغلبهم، الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من المدينة. وكان هجوم شنه النظام في شباط (فبراير) الماضي قد فشل في قطع خطوط إمداد الثوار، كما يجدر التنويه.
ومن جهتهم، أعلن الثوار في الأسبوع الماضي عن حملة “تحرير” مشتركة لطرد قوات النظام من المدينة. وما تزال حلب منذ وقت طويل هدفاً لحملة جوية غير متسامحة على المناطق التي يسيطر عليها الثوار، والتي أفضت إلى قتل وجرح آلاف المدنيين، وخاصة مع استخدام البراميل المتفجرة وأجهزة التفجير البدائية المحشوة بالديناميت والمواد الأخرى التي يتم إسقاطها يدوياً من الطائرات الحربية المقاتلة أو من الطائرات العمودية.
تجدر الإشارة إلى أنه غالباً ما يسقط السلاح هذا غير الدقيق، والذي يعد استخدامه جريمة حرب بحكم الأمر الواقع، بعيداً خلف الخطوط الأمامية للثوار، بغية تفادي ضرب قوات النظام بشكل عارض، الأمر الذي يسهم في زيادة الخسائر المدنية العالية.
كان أكثر من 3.000 مدني قد قتلوا في هجمات بواسطة البراميل المتفجرة في محافظة حلب في الفترة بين كانون الثاني (يناير) من العام 2014 وحتى آذار (مارس) 2015، سوية مع 35 مقاتلاً. كما أن أكثر من 12.000 شخص كانوا قد قتلوا بهذا السلاح في عموم سورية منذ العام 2012، وفق مجموعات الرصد. وفي الشهر الماضي وحسب، قتل 110 أشخاص في المدينة في 85 هجوماً. وينفي الرئيس الأسد حتى وجود البراميل المتفجرة من الأساس.
لكن، وفق بيانات جمعتها منظمات حقوقية، ضربت هذه الأجهزة المتفجرة عشرات من الأسواق العامة والمساجد والمدارس والمستشفيات والمراكز الطبية في حلب.
يرسم تقرير “أمنستي” صورة قاتمة لحقيقة الحياة المدنية في المدينة المحاصرة من كل الجوانب، والتي تواجه المجاعة وحيث الكهرباء والمياه والأدوية والوقود محدودة، المدينة التي أصبحت القطط فيها تشكل “وجبة سريعة” في الأراضي التي يسيطر عليها الثوار، وحيث يتعرض الوصول الإنساني إليها إلى خطر الهجمات التي تشن على الطرقات التي يستخدمها عمال وموظفو الإغاثة.
ومن جهته، قال لاما فقيه، مستشار الأزمات الرفيع في منظمة “أمنستي”: “يصف المدنيون الذين تحدثنا معهم في الحقيقة وجود صدمة وخوف جماعيين من العيش في ظل التهديد لدائم بقنابل البراميل المتفجرة بشكل خاص“.
وينقل التقرير عن عامل مصنع كان قد نجا من هجوم ببرميل متفجر على المصنع الذي كان يعمل فيه قوله في معرض وصفه للمشهد: “بعد القصف، شاهدت أطفالاً بلا رؤوس وأشلاء أجساد في كل مكان. كان المشهد على النحو الذي أتخيل فيه جهنم“.
وكان استخدام الأسلحة العشوائية، وعلى وجه التحديد البراميل المتفجرة، قد تلقى الإدانة في قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، والذي ما يزال غير مفعل حتى اللحظة.
يركز التقرير على ثماني هجمات محددة، والتي يقول إنها تسلط الضوء على “الرعب الصرف” للبراميل المتفجرة، بما في ذلك برميل كان قد أسقط على سوق فيه 150 شخصاً مصطفين في طابور للحصول على سلات غذائية، وما يدعى هجوم “الصنبور المزدوج”؛ حيث يلقى برميل متفجر ثان عندما يهرع عمال الدفاع المدني والسكان إلى حيث وقع الهجوم الأول في محاولة لإنقاذ الناجين.
ويخلص التقرير إلى استنتاج “إنها جريمة حرب جعل الأهداف المدنية والمدنيين غير المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية هدفاً للهجمات”. ويضاف: “إن هذا الهجوم الممنهج على السكان المدنيين، وعندما ينفذ كجزء من سياسة الحكومة كما تبدو الحالة في حلب، سيشكل جريمة ضد الإنسانية“.
بالإضافة إلى ذلك، اتهمت منظمة “أمنستي” الثوار بارتكاب جرائم حرب عبر استخدام “مدافع جهنم” -قذيفة مدفعية بدائية غير دقيقة مصنوعة من عبوات غاز، والتي تستخدم لتسوية المباني بالأرض والتي قالت مجموعة الحقوق إنها تسببت في قتل 600 مدني في العام 2014.
وقال التقرير: “في ضوء طبيعة الأسلحة المستخدمة، فإن العديد من هذه الهجمات ستشكل على الأرجح هجمات عشوائية، والتي عندما تقتل أو تجرح مدنيين تعتبر جرائم حرب. وبعض هذه الهجمات قد تكون شكلت أيضاً هجمات مقصودة على مدنيين أو أهداف مدنية، وهي ما تعد أيضاً جرائم حرب“.
كما اتهم التقرير أيضاً طرفي النزاع بممارسة التعذيب على نطاق واسع ضد المعتقلين والقيام بحملات اعتقال تعسفية وأخذ رهائن. لكن المجموعات الحقوقية احتفظت بتحميل معظم المسؤولية للنظام الذي اتهمته بتكريس الأزمة، وبارتكاب الغالبية الجامحة من إساءة المعاملة.
وخلص التقرير إلى الاستنتاج: “إن كلا الجانبين ينتهكان القانون الإنساني الدولي وتجب مساءلتهما. ومع ذلك، وطيلة الأعوام الأربعة وما يزيد منذ بدء الأزمة، ما تزال القوات الحكومية مسؤولة عن الغالبية العظمى من الانتهاكات والجرائم“.
وأضافل التقري: “لا يمكن التغاضي عن مسؤوليتهما عن خلق واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث. وكانت هذه الأزمة قد بدأت مع الحملة الوحشية التي نفذتها الدولة ضد المحتجين السلميين. وبدا رد فعل الحكومة مصمماً لإرسال رسالة مؤداها أنه لن يوقفها أي شيء عن سحق المعارضين“.
ودعت “أمنيستي” إلى إحالة الأوضاع في سورية إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلى معاقبة كل الأطراف التي ترتكب الإساءات، وإلى وصول غير معاق إلى لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الأزمة.
وقال فقيه: “إن الحكومة قد تشجعت بسبب الافتقار إلى رد من المجموعة الدولية، وعلى نحو خاص من مجلس الأمن“.
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
مركز الشرق العربي