كنت في الكويت أترجم من التركية الى العربية فعاليات مؤتمر العلاقات العربية التركية الذي نظمته مجموعة ثوابت تحت رعاية رئاسة مجلس الوزراء الكويتي، ورغم أهمية هذه الخطوة من قبل دولة الكويت وسعيها في إعطاء روح جديدة للعلاقات العربية التركية والانتقال بها من حالة المجاملات إلى رسم رؤية استراتيجية مشتركة في كافة المجالات بين الطرفين، إلا أني في الحقيقة وأنا أترجم مداخلات الضيوف ومحاضراتهم سواء بالنسبة إلى العرب أو الأتراك لاحظت النقاط التالية:
– عدم وجود خبراء ومختصين في مجالات وقطاعات استراتيجية مهمة تحتاجها العلاقات بين تركيا والعرب، وقد أثر هذا على مضمون المداخلات التي غلبت عليها حالة من السطحية وغياب العمق في التحليل مما جعل هذه المداخلات نسخا متشابهة لم تقدم أي إضافة عميقة سواء من الأتراك أو من العرب.
– الخطاب المستخدم في هذه المداخلات غلبت عليه المجاملات والحديث عن الأمة الواحدة والمشتركات الدينية والحضارية والتاريخية.
– غياب التحليل النقدي العميق للسياسة التركية والعربية في نفس الوقت والبقاء في حدود المجاملات التي لا تسمن ولا تغني من جوع خصوصا وأن المنطقة العربية وتركيا يتعرض كلاهما إلى تهديدات أمنية واستراتيجية ووجودية في المرحلة الراهنة.
– سعي عدد كبير من المتدخلين العرب إلى استخدام خطاب بالغوا فيه بمدح التجربة التركية وبالذات التركيز على مدح أردوغان وعبقريته إلى درجة أن أحد المتدخلين الأتراك تدخل لكي يعدل الموقف ويبرز لهم أن أردوغان ونجاحات التجربة التركية هي نتاج ونتيجة لتراكمات طويلة عاشها الأتراك والشعب التركي الذي لعب دورا مهما في إنجاح التجربة.
– سعي بعض المتدخلين العرب إلى تقديمنا بصورة سلبية جدا والتقليل من مقاييسنا حتى بات الأمر وكأننا شعوب تنتمي إلى عصور ما قبل التاريخ.
المداخلات بينت أيضا أن الأتراك أيضا ما زالوا ينظرون إلى علاقاتهم مع العرب بأفق ضيق جيدا يركز بشكل أساسي على الجوانب الاقتصادية بشكل كبير ولا يملكون مشروعا حضاريا مشتركا يتشارك فيه الطرفان لصياغته ونحت ملامحه بعيدا عن البحث عن المصلحة فقط.
– لا زال العرب يجهلون الأتراك وكذلك الأتراك لا زالوا يجهلون العرب بشكل كبير مما جعل هذه المداخلات تفتقر إلى التحليل العميق والنقد المعمق وغياب اقتراحات ومبادرات فعالة تخدم الطرفين على كافة المستويات.
– المؤتمر غاب عنه من يمثل صناع القرار في تركيا وكذلك صناع القرار في الدول العربية.
– ومع أني أتفهم المجهودات الكبرى التي بذلها منظمو المؤتمر مشكورين جدا إلا أني فعلا أعتبر أن كلا الطرفين العربي والتركي ما زالا لا يملكان النضج الكافي والإرادة الفاعلة لتطوير العلاقات العربية التركية والانتقال بها من ضفاف المجاملة إلى أعماق المغامرة وبناء مستقبل مشترك فاعل ويحمي المنطقة بأكملها من حالة التشرذم السياسي والاستراتيجي والاجتماعي.
إذا أرادت العلاقات العربية التركية أن تتطور وتتقدم فيجب على الطرفين تجاوز الخلفيات التاريخية الكامنة في أعماقهما وأن كان كل واحد منهما يريد أن يغطيها بلغة المجاملات الفارغة.
كما يتوجب على الطرفين أن يتجاوزا حالة التحليلات النظرية للعلاقات العربية التركية وحتمية تجاوز خطاب المجاملات إلى طرح خرائط وعي جديدة تساهم فعلا في تقارب عربي تركي بين الشعوب وتعطي أملا جديدا في صناعة دورة حضارية مشتركة والابتعاد عن السطحية نحو تحريك المياه الراكدة والفعل العملي والإيجابي المشترك.
د. زبير خلف الله – ترك برس