تترك ظاهرة اللجوء آثاراً سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، ومع مجتمع سوري انهارت معالم الإنسانية فيه يصعب التنبؤ بعمق المعاناة التي خلفتها الحرب الطويلة؛ كون الأطفال الأكثر تضرراَ من حرب صنعها الكبار وراح ضحيتها الصغار، بات من بعيد يلاحظ حصادا لحاضرهم ومستقبلهم المحفوف بمجهول الألم والخوف.
“إبراهيم” (13 عاماً) من مدينة إدلب هاجر عن طريق التهريب لجارة الحدود “تركيا” بعد معاناة ومخاطر كادت تنهي حياته بلحظات.
الطفل الصغير “إبراهيم” اختار اللقاء بنا بعد أن كان الوسيط بيننا أخوه الأكبر “علاء”، فمن صغرهما يعملان في ورشات صناعة الملابس الجاهزة في “إسطنبول”.
تنقل الطفل من ورشة خياطة إلى أخرى بحثاً عما يسد رمقه ورمق عائلته البسيطة والمعدمة الحال، وبلسان البراءة أخبرنا قائلاً “أبي- الله يرحمه- مات باستهداف مروحية للسوق، وأمي تعاني من مرض القلب ولازم تتناول الدواء بنظام وأخواتي يلي أصغر مني بحاجة لكل شيء مشان يكبر جسدهم الغض.. قررت أتحمل المسؤولية كون أخي “علاء” لوحده ما في يساعدنا.. ومتل ما بقولوا يد وحدة ما بتصفق، وخصوصاً مع موجة الغلاء”.
دخل الأطفال السوريون في سن مبكرة جداً بحثاً عن لقمة العيش لعوائل فقدت معيلها أو عجز الأب فيها عن تأمين ما تحتاج إليه أسرته من دون عمل الأطفال؛ ومع قلة فرص العمل كان اللجوء فرصة سانحة لإيجاد فرص العمل.
حال “إبراهيم” حال المئات من اللاجئين السوريين في تركيا، دفعتهم الحرب يعيداً عن مقاعد الدراسة إلى سوق العمل؛ صراع من أجل البقاء وطفولة ودعت الضحكة واللعب، سرقتها الحرب بحثاً عن الرزق الذي بات أهم من العلم والبحث عن المستقبل.
تابع الطفل حديثه معنا بابتسامة السخرية والألم قائلاَ “مجرد ما يشوفني صاحب الورشة يقلل من أجري ويقول أنت صغير على الرغم أنو عدد ساعات العمل نفسها للجميع”.
ذاك الاستغلال ليس أقل خطورة من أعمال لا قدرة للجسد الصغير على تحملها فمع ساعات العمل الطويلة وقلة ساعات الراحة إضافة لبساطة الطعام آخر نهار شاق من العمل والجهد، تكمن الخطورة وضرورة المحيط للتدخل لحل معاناة تتفاقم.
ظاهرة العمالة واستغلال الطفولة السورية وخصوصاَ اللاجئين منهم سلسلة لحصاد الحاضر والمستقبل، من رحى حرب دارت مصطحبة معها أحلام أطفال سوريا وحولتهم إلى أرباب عمل وأرباب أسر منذ نعومة أظفارهم، منهم من فقد والداَ ومنهم من يعمل ليدفع شبح الجوع.
أضاف الطفل المغلوب على أمره كلمات حزينة منعتنا من الاستمرار في الحديث معه، وودعناه على أمل اللقاء على أرض الوطن رجلاً يعيد بناءه من جديد.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد