أثار فتى سوري وصل إلى ألمانيا شتاء العام الماضي للتقدم بطلب انضمام لأكاديمية اليافعين في جامعة ميونيخ للموسيقى والمسرح، إعجاب وسائل الإعلام ومدرّسيه، وتمَّ وصفه بـ”العبقري” تارةً و”الطفل المعجزة” تارةً أخرى.
ويعد السوري نائل الطرابلسي معروفاً لدى المشاهدين العرب إذ لفت الأنظار بمشاركته ببرنامج المواهب “أراب غوت تالنت” في العام 2013، ووصوله لمرحلة نصف النهائي للمسابقة.
وسرد نائل خلال ريبورتاج بثته القناة الألمانية الأولى عنه كيف أنه لم يكن يملك بيانو حقيقياً يعزف عليه، وروت والدته كيف تم اكتشاف موهبته بالصدفة عندما كانا في متجر ألعاب وعزف نائل بسرعة على لعبة بيانو بلاستيكية، فسألها البائع فيما إذا كان ابنها يعزف البيانو، فأشارت إلى أنها المرة الثانية أو الثالثة التي يعزف فيها.
ويقول الطفل ذو الـ ١٢ عاماً أنه في المرة الأولى التي عزف على البيانو لم يكن يدري ماهية هذه الآلة. وأشارت والدته إلى أنه ومع بدء الحرب في سوريا انقلبت الأمور رأساً على عقب ولم يعد أحدٌ يفكر في الموسيقى.
واحتفت القناة الألمانية بالطفل واصفةً إياه بـ”الموسيقي العبقري”، إذ تعلم نائل عزف مقطوعات أشهر عازفي البيانو في العالم عبر “يوتيوب”، دون تلقي تعليم أكاديمي في بلاده التي تعيش الحرب. وأشارت القناة إلى قدرة الطفل على عزف مقطوعات صعبة على البالغين كـ”تارانتيلا” لآلبرت بيتشوكا.
الحرب بعيون نائل
ويشرح نائل الطرابلسي، في مقابلته التلفزيونية، صعوبات تعلم العزف على آلته الموسيقية البلاستيكية سابقاً، موضحاً أنها كانت صغيرة مكونة من ٣ أو ٤ أوكتافات (مسافة موسيقية)، وعندما كان يريد عزف مقطوعة “من أجل إليزا” لبيتهوفن مثلاً، كان يبحث عن حلول بديلة تعوض الأزرار غير الموجودة في آلته البلاستيكية، وعلى الرغم من أن النتيجة لم تكن جيدة لكنه كان مضطراً، يقول الطفل.
وبالحديث عن ما تعيشه بلاده قال نائل، وهو يحاول تلخيص المأساة، “أنا من حمص ثالث أكبر مدينة في سوريا.. أجدها جميلة جداً لكن للأسف جاءت الحرب .. أرى ذلك فوضوياً”.
ويتذكر الطفل يومياته خلال فترة الحرب وانتقاله وأسرته للعيش في قرية صغيرة، بالقول: “عندما كانت تتوفر طاقة كهربائية كنت أعزف على البيانو البلاستيكي، ثم أنجز واجباتي المدرسية حتى وإن كان لدي امتحان”، مشيراً إلى أن والده كان يساعده في الترجمة، لأنه لا يتقن الإنكليزية.
منقذ الأسرة
وعاشت أسرة نائل الطرابلسي قبل أن يأتي لألمانيا في رومانيا، وجاء انتقالها في فصل الشتاء الماضي إلى ميونيخ بمحض الصدفة أيضاً إذ علم رجل أعمال ألماني يدعى شتيفان شوفر عبر شريك عمل سوري بقصته؛ بأن هناك طفلاً يعزف البيانو بشكلٍ جيد، فعمل على التأكد من أنه موهوب ثم جلبه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي لميونيخ، ليعيش عنده أكثر من ٤ أشهر ونال عزفه إعجاب بروفيسورة في أكاديمية اليافعين في جامعة ميونيخ للموسيقى، وفي نهاية شهر حزيران الماضي لحقت به أسرته.
وفي حين كان يتعلم عبر اليوتيوب كيف يستطيع العزف، حصل في الأكاديمية على تعليم احترافي، وتقول مدرسته مارتينا باور، التي تشرف على برنامج دعم الفتيان ذوي الموهبة العالية، إن سلوك نائل يشبه أي فتى في الـ ١٢ من العمر، “إنه ينسى دفاتره ويجد صعوبة في إيجاد غرفة الصف، ويضحك عندما يكون أمرٌ ما مخجلاً، لكنه عندما يعزف يكون أكثر نضجاً وجدية وأكبر عمراً كفنان”.
وشارك نائل في الأكاديمية في قسم الدروس النظرية والتدريب السماعي، رغم أن الطلاب الذين يدرسون معه يكبرونه بفارق عمري يصل إلى ٥ سنوات.
ويقول معلمه أندرياس بوهاني للقناة إنه يتذكر أنه كان هناك درس متعلق بالـ”كورد” أو التآلف الموسيقي، ولم يكن متأكداً إذا ما كان نائل يفهم ما يقوله، ثم فجأة نهض الفتى وذهب للبيانو، وعزف مثالاً عن ذلك لهم، قائلاً: “هل هذا يتناسب مع ذلك؟”، وهنا لاحظ المعلم أن الطفل معهم تماماً في الدرس، وأنه وإن كان لا يتحدث الألمانية بطلاقة لكنه يتحدث الموسيقى.
من الحلم إلى الحقيقة
ويقول نائل أنه يحلم بأن يصبح عازفاً للبيانو وقائداً لفرقة موسيقية في الوقت نفسه، وأن يصبح طبيباً نفسياً أيضاً. ويرى الطفل أنه عبر الموسيقى يمكن للمرء أن يصف ما يعجز عن وصفه بفمه، مستشهداً ببيتهوفن الذي أظهرت موسيقاه أنه عانى كثيراً.
وبعد أن تجاوز امتحانات القبول في الأكاديمية سيلتحق اعتباراً من الفصل الدراسي الجديد بالأكاديمية.
وقال معلم نائل في مدرسة الموسيقى في ميونيخ، “استقبلته ودربته قبل انضمامه للأكاديمية، في وقت سابق من هذا العام، إن نائل فاجأني لأنه لا يعزف بإحساس شخص يبلغ من العمر ١١ عاماً بل يعتقد المرء أنه شخص في الـ ٢٠ أو الـ ٢٥ من عمره يجلس هناك ويعزف.
وعنونت شبكة “بي إر” التلفزية العامة ريبورتاجها عن نائل منذ أشهر بـ”طفل معجزة من سوريا“.
وتجاوزت شهرة نائل الحدود الألمانية فوصلت لسويسرا، إذ نشر موقع صحيفة نويه تزوريشه تسايتونغ” تقريراً عنه بعنوان “موتسارت القادم طفلٌ لاجئ.
وأشارت الصحيفة إلى أن نائل وجد طريقه من سوريا لألمانيا عبر الحظ والصدفة، وأنه كان يمكن أن يكون واحداً من عدد لا يحصى من الأطفال الذين ماتوا منذ اندلاع الحرب، بحسب قولها.