على مدى عدة أشهر يعمل سكان قرية اليمونة في منطقة البقاع، شرقي لبنان، بكد في الحقول الشائكة، حيث يجمعون القنب الهندي الذي تتم زراعته بصورة غير قانونية، إلا أن الحظر المفروض منذ عقود يمكن أن يتم رفعه في أي لحظة.
ويبحث مجلس النواب اللبناني، بناء على مقترحات النواب الذين يمثلون منطقة البقاع، مسألة تقنين الحشيش من أجل استخدامه لأغراض طبية، بهدف مساعدة المنطقة وضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد اللبناني المتعثر.
وتمثل الفتيات السوريات العدد الأكبر من العاملين في حقول اليمونة بعدما فررن وأسرهن من سوريا التي مزقتها الحرب. ويعد العمل المؤقت في حقول الحشيش حتى انتهاء موسم الزراعة أفضل عمل يمكنهن الحصول عليه في البلد المضيف.
وتتم زراعة الحشيش مطلع الربيع، ويكون حصاده في سبتمبر حتى أواخر أكتوبر، وبعد ذلك يجفف تحت أشعة الشمس قبل أن يتم تبريده، ثم “دقه” أو طحنه في معامل صغيرة في البقاع. وتعمل الفتيات في صمت، ويشرف عليهن رجل يدعى مصطفى. وهو سوري أيضا يتولى الإشراف على محصول القنب الذي يزرعه اللبناني أبوعلي شريف.
ويقول مصطفى -وهو أب لأربعة أطفال- “الوقت يعني المال، وفي هذا العمل لا يمكننا تضييع الوقت؛ نحتاج إلى الإسراع في جمع محصولنا لنتمكن من بيعه بسعر جيد”.
ووفقا لمصطفى (30 عاما) تحصل كل فتاة على ما بين دولارين إلى ثلاثة دولارات في الساعة.
وتقول أم محمود التي أتت من الرقة وتقوم بمهمة غربلة القنب، إنها تتقاضى دولارين في الساعة عن عملها، وهي تحاول توفير أكبر قدر ممكن من المال للأيام التي لا يوجد فيها عمل، مضيفة أن “هذه المهنة تستدعي الكتمان فلا أهلي في الرقة يقبلون ذلك ولا صاحب العمل يقبل إفشاء اسمه، نحن مطالبون بأن نتكتم على كل ذلك”.
ويشير أحد المزارعين اللبنانيين إلى أن “عدد اللاجئين السوريين وسكان قريته يتساوى تقريبا في الصيف، أما في أشهر الشتاء فيبدو أن عدد الرقاويين يفوق عدد سكان القرية”.
ويقول شريف “جربنا زراعة التفاح والطماطم والبطاطس، ولم يكن هناك ما هو أفضل من الحشيش في هذه المنطقة”.ويضيف، وهو يقف وسط محصوله، “يحتاج المرء فقط إلى البذور والماء، ليحصل على أفضل حشيش”.
ويقول شريف (52 عاما) بفخر “الحشيش اللبناني مثل الذهب، إنه الأفضل في العالم”. ويضيف أن سكان وادي البقاع زرعوا القنب على مدار أجيال، رغم قيام السلطات بشن مداهمات متكررة على المنطقة.
محصول سلبي يمكن تحويله إلى إيجابي إذا ما تم استخدامه لأغراض طبية
وازدهرت زراعة القنب في البقاع خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وفي أوائل تسعينات القرن الماضي، حاولت الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إدخال زراعات جديدة مكان القنب، إلا أن الفكرة سرعان ما فشلت، وعاد المزارعون إلى زراعة القنب. ويقول أحد المزارعين، مشيراً إلى المنازل المطلة على سهول الحشيش في اليمونة، إن “كل هذه البيوت وقرميدها من حولنا بنيت بأموال زراعة الحشيش”. ويضيف المتحدث “إذا رميت الحشيشة على البحص تنبُت، تراها على جوانب الطرق وحتى فوق النفايات”.
ورغم أن زراعة القنب تجلب قدرا جيدا من المال، يقول سكان البقاع إن الجزء الأكبر من المكاسب يذهب في نهاية المطاف إلى جيوب كبار التجار، الذين يشترون الحشيش ويهربونه إلى أوروبا وغيرها من المناطق في مختلف أنحاء العالم.
ويقول شريف “نحن المزارعين لا نكسب الكثير. الناس مثلي، ممن لديهم مساحات كبيرة من الزراعات، يحققون مكاسب جيدة، إلا أن المصدّرين هم الأغنياء”. ويقول خبراء الاقتصاد إن الهدف من تشريع الحشيش تحقيق عائدات للاقتصاد اللبناني، الذي تضرر كثيرا من الحرب المستمرة في الجارة سوريا، وذلك من خلال مساعدة المزارعين على تحقيق دخل أفضل وخلق فرص عمل.
ويرى أهالي اليمونة أن على المزارع أن يربح من التشريع بقدر ما كان يربح من التهريب، فالمزارع في اليمونة كان يبيع الإنتاج لتاجر كبير ويربح عشرات أضعاف الكلفة، أما إذا حصل الأمر عبر الدولة، فالأرباح لن تكون ذاتها، خصوصا إذا حددت السلطات الأراضي التي يُسمح بالزراعة فيها أو الجهات التي ستشتري.
ولعل أكثر ما يحلم به سكان المنطقة هو أن يتيح تشريع الحشيش إسقاط الدعاوى ومذكرات التحقيق بحق الآلاف من المطلوبين في قضايا تتعلق بإنتاج وتهريب وتجارة المخدرات بينها الحشيش.
ويقول النائب أنطوان حبشي، من بلدة دير الأحمر ذات الأغلبية المسيحية والقريبة من اليمونة، “راودتني فكرة تقنين الحشيش عندما لاحظت أن جميع المحاصيل القانونية لا يمكن أن تحل محله في منطقتنا”.
ويضيف “ولهذا فكرت… أمامنا محصول سلبي يمكن تحويله إلى إيجابي إذا ما تم استخدامه لأغراض طبية… بتقنين الحشيش، سنساعد المزارعين على العيش بكرامة، وتقليل التوزيع غير القانوني، وفي الوقت نفسه جلب أموال إلى خزينة الدولة”. ويأمل حبشي في أن تقوم أوروبا وأميركا الجنوبية، وكذلك أستراليا وكندا باستيراد القنب الطبي من لبنان.
نقلا عن صحيفة العرب