منذ أكثر من قرن من الزمان والمؤامرات تحيط بالدولة الإيرانية المعاصرة وشعبها، فمنذ قيامها رهنت الشاهنشاهية البائدة إيران ومقدراتها ومصير شعبها بيد القوى الرجعية والاستعمارية وكان الملالي في حينها أيضا ذراعاً من الأذرع الداعمة للدكتاتورية الشاهنشاهية البغيضة التي كانت تنتهج أيضا نهجا استبدادياً وتطرفاً وعنصرية طالت الإنسان في عقيدته وفكره وعرقه وحتى اسمه وما يرتديه.
لم يرق للغرب الاستعماري الذي كان متمكنا من مفاصل الدولة في إيران ومُدركا أن زوال الشاه لا محالة واقعا كان ذلك عاجلاً أم آجلا، لم يرق له أن تكون السلطة بيد الشعب وأن يخرج من إيران خالي الوفاض ولم يتقبل حتى فكرة الخروج من إيران لذلك لم تمضي أشهر على وجود خميني في فرنسا حتى عاد سلطاناً على إيران ولكنه سلطاناً بعمامة وفُرِض على الشعب خلفاء للشاه بنفس النمطية بل وأشد مكراً وخداعاً مستغلين شعاراتٍ باسم الدين والمذهب كعقيدة وكمدخل يعبثون من خلاله بقلوب وعقول البسطاء من الشعب والاحتيال عليهم، والدين بريئٌ مما يدعون فلم يأمر الدين بالكذب والاحتيال والخداع والقتل والسلب والنهب والاعتداء على حرمة الإنسان والجار.
في مسيرة التآمر هذه التي قادها الملالي على مدار قرابة 45 سنة استطاع الملالي أن يغرروا ببعض القوى الخارجية باسم التحرر والدين ولكن سرعان ما تكشفت حقائقهم، ولم يكن أمامهم سوى خلق أذرع لهم من قوى مؤهلةٍ لأن تكون على شاكلتهم فكان لهم ما أردوا في فلسطين ولبنان، وسرقوا كيانات سياسية نضالية حقيقية من أهلها وأقاموا عليها مجموعة من الأجراء المتطرفين، وهذا هو حال فلسطين وحال لبنان أُضيف إليهما في العقدين الأخيرين كل من البلدين العريقين العراق واليمن والحال فيهما شر حال، أما سوريا فهي الطامة الكبرى التي ستكون الخنجر الأكبر في خاصرة العرب من خلال تمكن نظام الملالي منها من خلال الديون وشركات الحرس واعادة هيكلة الأمن والمخابرات والجيش ومؤسسات الدولة في سوريا بما يمكن الملالي من هيمنة كلية على مفاصل الدولة في سوريا ويضمن لها بقاءا طويلا يبدأ اليوم بالحوار والتطبيع مع العرب وينتهي بعد غداً بكسر العظام نهاراً جهاراً، وتأتي هذه الالتفافات الخارجية للملالي في المنطقة والعالم كجزءٍ من وسائل تمكين بقائهم في السلطة وتعزيز سطوتهم وجبروتهم وإجرامهم بحق الشعب الإيراني الذي ينزف دما في وطنه الذي أصبح سجناً يديره جمع من الجلادين والمجرمين والمخادعين، وما هذه المخططات في المنطقة بالإضافة إلى التطبيع مع الملالي إلا لإطالة نمطية الجحيم القائمة في إيران من خلال فاشية الملالي.
تتقابل رؤى الملالي مع القوى المتطرفة العربية وتربطهما المصالح والمنافع لا العقائد، وبالتالي فإننا كعرب نقع بين فكي كماشة لنظام الملالي فك دعمه للقوى العربية المتطرفة باسم الدين ونشره لفكره الإبادي من خلالها، والفك الآخر فك الشركات والتسلح، فقدرات ميليشيات تابعة للملالي في دول عربية كلبنان تُخضع الدولة لإرادة الميليشيا، وكذلك الحال في العراق واليمن وستصبح سوريا أشد بؤساً وذراع تهديد، وخلاصة القول تعاظمت قوة غول الملالي منذ أن مكنهم الغرب في إيران ومن ثم العراق ودول المنطقة بالمقابل عمل الغرب على تقليم قدرات المعارضة الإيرانية للتسليم بالملالي كأمر واقع لكن ذلك لن يكون ممكنا ذلك لأن وراء تلك المعارضة شعباً تعاظم ألمه وتفاقمت مآسيه وتكشفت أمامه الحقائق وأُريقت دماء أبنائه ولم يعد يريد خبزاً ولا حياةً بل يريد حرية وكرامةً ووجود.
الأوضاع الجارية في إيران
صعد النظام من أعمال القمع والقتل والإعدامات والمداهمات وكبت الحريات والمحاكمات الجائرة حتى بحق الطلاب في دراساتهم كل ذلك من أجل إطفاء جذوة نيران الانتفاضة، هذا بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية في البلاد، ويدرك النظام الإيراني جيدا أن قد وصل إلى طريق مسدودة مع الشعب خاصة بعد فشل الملا رئيسي جلاد سنة 1988 في إدارة الدولة خلال هاتين السنتين وبعد كم الدماء التي أريقت بالباطل، وهنا لا نجاة للنظام إلا بمواصلة نهجه الإجرامي، وفي الوقت يحاول النظام التغطية على ضعفه بمسيرات دعائية يحمل فيها المؤيدون للنظام الغرب مسؤولية الأزمة الداخلية كمناورة، ولا يزال النظام الإيراني يتمسك بنظرية المؤامرة للتنصل من المطالب المشروعة للشعب الإيراني، وقد اتهم مسؤولون إيرانيون ما أسموهم بـ “أعداء” ما يسمونها بـ “الجمهورية الإسلامية” بالوقوف خلف الاحتجاجات التي يعتبرون جزءاً كبيراً منها بمثابة “أعمال شغب”.
الاحتجاجات تدفع المعارضة في الخارج لبناء خيارات جديدة
شكل توسع الاحتجاجات في إيران على خلفية وفاة مهسا أميني منعطفا جديدا في إيران ودفع المعارضين في الخارج إلى التفكير في وحدة الصف لمواجهة النظام، في خطوة تؤشر على استفاقة البعض منهم وإن جاءت متأخرة إلا أنها قد تربك سلطة الملالي وتعمق الضغوط عليها خصوصا في تزامنها مع دعوات لوضع دستور جديد في البلاد، ودفعت الاحتجاجات الأخيرة إيران إلى أزمة محتدمة، إذ فجرت وفاة الشابة مهسا أميني في أوساط الإيرانيين غضباً مكبوتاً منذ سنين بسبب كم من المشاكل التي لا حصر لها والبؤس الاقتصادي والوضع المعيشي اليومي المتردي الإجرام السلطوي بحق الشعب ونهج التفرقة العنصري بحق أقليات عرقية وعقائدية، بالإضافة إلى فرض سلطات الملالي قيوداً اجتماعيةً وسياسيةً صارمة.
وعلى مدى أشهر دعا إيرانيون من كل أطياف المجتمع ومشاربه إلى إسقاط الطغمة الحاكمة، وهتفوا بشعارات مناهضة لصاحب كلمة الفصل في نظام الملالي الولي الفقيه علي خامنئي، وتسببت عمليات القمع التي انتهجتها السلطات مع الاحتجاجات الدائرة في عموم إيران في توتر دبلوماسي شكلي في وقت أصيبت فيه المحادثات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015 بالجمود، وهو ما أدى إلى فرض أميركا ودول غربية عقوبات على إيران ويقع على ثقل وجحيم هذه العقوبات على الشعب الإيراني المنكوب ولا يبالي الغرب في ذلك وأكثر همه الحصول على تنازلات من قبل الملالي حتى وإن بقوا في السلطة وقضوا على نصف الشعب الإيراني وصعدت كيانات أخرى من لهجتها بسبب القمع وانتهاكات حقوق الإنسان، والحال هو الحال منذ تسلط الملالي على رقاب الشعب الإيراني تنديد واستنكار ومؤامرات ومناورات ودعم غير مباشر للملالي وتضييق على المقاومة الإيرانية.
د.سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي