بدت الديمقراطية واحدا من أبرز مطالب وشعارات السوريين في العقدين الماضيين، وارتبط صعود هذا المطلب بأمرين اثنين، أولهما الاستبداد السياسي، الذي مارسه نظام الأسد منذ الأب إلى الابن، والثاني رغبة السوريين في رؤية سوريا أخرى، تعبر أكثر فأكثر عنهم في تعددهم وتنوعهم، وتكون أكثر صلة بما يريدون أن تكون عليه، وأن يكون دورهم فيها حاضرًا ومؤثرًا.
لقد كرس نظام الأسد الأب، حالة من الديكتاتورية والاستبداد، قلما عاشتها سوريا في عهود سابقة. ففي عهد الأسد الأب الطويل، تمت السيطرة على المجتمع وفعالياته بصورة منظمة وممنهجة عبر طريقين اثنين، أولهما عصابة من الموظفين المنتفعين بالعهد الاستبدادي، والثاني أجهزة أمنية تراقب، وتدقق بكل تفاصيل المجتمع بهيئاته ومنظماته ونشاطاته، وتقمع بلا رحمة كل ظاهرة تخرج عن الديكتاتورية والاستبداد أو تحاول مجرد محاولة.
وطُبقت هذه السياسة على المنظمات الشعبية والنقابات والمجتمع الأهلي، وصولاً إلى الأحزاب العاملة في كنف النظام بما فيها الحزب الحاكم “القائد للدولة والمجتمع”، مما جعل الجميع مجرد أدوات للعهد، ومصفقين مؤيدين لما يقول ويفعل. بحيث صار المجتمع وفعالياته خارج السياسة، وغدت السياسة لا علاقة لها بالمجتمع في الوقت نفسه، وصار الأخير يدار بالقرارات والتوجيهات والتعليمات، أكثر من أي شيء آخر.
وكان رحيل حافظ الأسد في عام 2000، مناسبة لحراك ثقافي اجتماعي وسياسي، باشرته مجموعة من نشطاء المعارضة بوثيقة الـ”99″ ثم وثيقة الألف، وعبر منتديات للحوار والنقاش حول الوضع السوري ومستقبل سوريا والسوريين، قبل أن ينتقل النقاش إلى الإعلام عبر الكتابة والقول، وفي كل ذلك كانت الحرية والمشاركة السياسية والإصلاح والتعددية كلمات أساسية، ترتبط بالديمقراطية، التي كانت مطلبًا رئيسيًا بكل ما كتب وقيل، وجرى النقاش فيه.
لم تكن ديمقراطية السوريين الناهضة بداية العقد الماضي مع وصول بشار الأسد إلى السلطة، تعني المفهوم التقليدي العام للديمقراطية “حكم الشعب بالشعب”. إنما كانت أعمق من ذلك بكثير، كانت تعني عودة السياسة إلى المجتمع، وقيام الأخير بهيئاته ومنظماته وأفراده بتأكيد أن علاقته مع الدولة والسلطات أساسها السياسة، التي تخلق أطرًا وقنوات لترتيب التناقضات والاختلافات، ورسم قنوات وطرق لمعالجتها، وأخرى لتقوية التوافقات وتعزيزها وتطويرها، وبهذا المعنى، كانت الديمقراطية السورية الصاعدة طريقة عيش وتفاعل، لا آيديولوجية، ينبغي الإيمان بها، وتحويلها صنمًا مقدسًا.
كانت الديمقراطية مشروعًا لسوريا الجديدة، لا يتجاوز تجاربها السابقة، لا سيما تجربة الخمسينات المنقوصة فحسب، إنما مشروع يخلصها من إرث الماضي الثقيل والبغيض في آن معًا، ويفتح أفقًا أفضل نحو مستقبل مختلف لسوريا والسوريين عبر المشاركة والتفاعل الخلاقين.
وبدل أن يتفاعل بشار الأسد ونظامه مع المبادرة الإيجابية، قابلها بالوحشية المعروفة عبر سياسة الاعتقال والملاحقة والاتهام والتخوين، محاولاً قبر المشروع، مما عزز فرص السوريين للثورة على نظام أثبت عجزه عن الخروج من نفق الاستبداد والديكتاتورية وأدواتها وأساليبها، الأمر الذي فجّر الثورة في وجه النظام، ودفع السوريين للمطالبة بالحرية والكرامة وبالتغيير الديمقراطي، وهي مطالب لم يرفضها النظام فقط، بل ردّ عليها بحملات القتل والاعتقالات والتدمير والتهجير، ممهدًا لظهور العنف المضاد، آخذًا سوريا والسوريين إلى الإخضاع بالقوة الذي يتنافى والديمقراطية، التي لا تعيش ولا تمارس في ظل السلاح والقتل والاعتقال والتهجير والدمار والجوع والفقر، وكلها ظواهر تصيب الديمقراطية في مقتل.
مرت نحو خمس سنوات من العنف. الأساسي فيه عنف النظام وإرهابه، ثم عنف الجماعات المسلحة، وأكثرها وحشية كان عنف الجماعات الإرهابية المتطرفة من “داعش” والنصرة وأمثالهما، مما أغلق بوابات المشروع الديمقراطي في سوريا رغم ولادة تحالفات وأحزاب وجماعات، وتنظيمات مسلحة، اتخذت لها أسماء “ديمقراطية”، لكنها جميعًا تعجز عن أي إجراء أو سلوك أو تفكير من طبيعة ديمقراطية، لأن بيئة الديمقراطية غائبة في ظل السلاح والصراعات المسلحة.
وإذا كانت الديمقراطية لا تعيش إلا في أجواء السلم، فإن السلم لا يمكن أن يتحقق بوجود نظام مستبد وديكتاتوري ومجرم، كما لا يتحقق السلم بوجود جماعات إرهابية متطرفة، ولا يمكن أن يسود بوجود سلاح منفلت من عقاله لا يضبطه القانون، وهذا يعني أن مشروع الديمقراطية السوري مؤجل إلى حين إيجاد حل سياسي للقضية السورية، وعندها فقط يمكن لسوريا والسوريين إعادة إطلاق مشروع ديمقراطي لسوريا المستقبل.
لقد كرس نظام الأسد الأب، حالة من الديكتاتورية والاستبداد، قلما عاشتها سوريا في عهود سابقة. ففي عهد الأسد الأب الطويل، تمت السيطرة على المجتمع وفعالياته بصورة منظمة وممنهجة عبر طريقين اثنين، أولهما عصابة من الموظفين المنتفعين بالعهد الاستبدادي، والثاني أجهزة أمنية تراقب، وتدقق بكل تفاصيل المجتمع بهيئاته ومنظماته ونشاطاته، وتقمع بلا رحمة كل ظاهرة تخرج عن الديكتاتورية والاستبداد أو تحاول مجرد محاولة.
وطُبقت هذه السياسة على المنظمات الشعبية والنقابات والمجتمع الأهلي، وصولاً إلى الأحزاب العاملة في كنف النظام بما فيها الحزب الحاكم “القائد للدولة والمجتمع”، مما جعل الجميع مجرد أدوات للعهد، ومصفقين مؤيدين لما يقول ويفعل. بحيث صار المجتمع وفعالياته خارج السياسة، وغدت السياسة لا علاقة لها بالمجتمع في الوقت نفسه، وصار الأخير يدار بالقرارات والتوجيهات والتعليمات، أكثر من أي شيء آخر.
وكان رحيل حافظ الأسد في عام 2000، مناسبة لحراك ثقافي اجتماعي وسياسي، باشرته مجموعة من نشطاء المعارضة بوثيقة الـ”99″ ثم وثيقة الألف، وعبر منتديات للحوار والنقاش حول الوضع السوري ومستقبل سوريا والسوريين، قبل أن ينتقل النقاش إلى الإعلام عبر الكتابة والقول، وفي كل ذلك كانت الحرية والمشاركة السياسية والإصلاح والتعددية كلمات أساسية، ترتبط بالديمقراطية، التي كانت مطلبًا رئيسيًا بكل ما كتب وقيل، وجرى النقاش فيه.
لم تكن ديمقراطية السوريين الناهضة بداية العقد الماضي مع وصول بشار الأسد إلى السلطة، تعني المفهوم التقليدي العام للديمقراطية “حكم الشعب بالشعب”. إنما كانت أعمق من ذلك بكثير، كانت تعني عودة السياسة إلى المجتمع، وقيام الأخير بهيئاته ومنظماته وأفراده بتأكيد أن علاقته مع الدولة والسلطات أساسها السياسة، التي تخلق أطرًا وقنوات لترتيب التناقضات والاختلافات، ورسم قنوات وطرق لمعالجتها، وأخرى لتقوية التوافقات وتعزيزها وتطويرها، وبهذا المعنى، كانت الديمقراطية السورية الصاعدة طريقة عيش وتفاعل، لا آيديولوجية، ينبغي الإيمان بها، وتحويلها صنمًا مقدسًا.
كانت الديمقراطية مشروعًا لسوريا الجديدة، لا يتجاوز تجاربها السابقة، لا سيما تجربة الخمسينات المنقوصة فحسب، إنما مشروع يخلصها من إرث الماضي الثقيل والبغيض في آن معًا، ويفتح أفقًا أفضل نحو مستقبل مختلف لسوريا والسوريين عبر المشاركة والتفاعل الخلاقين.
وبدل أن يتفاعل بشار الأسد ونظامه مع المبادرة الإيجابية، قابلها بالوحشية المعروفة عبر سياسة الاعتقال والملاحقة والاتهام والتخوين، محاولاً قبر المشروع، مما عزز فرص السوريين للثورة على نظام أثبت عجزه عن الخروج من نفق الاستبداد والديكتاتورية وأدواتها وأساليبها، الأمر الذي فجّر الثورة في وجه النظام، ودفع السوريين للمطالبة بالحرية والكرامة وبالتغيير الديمقراطي، وهي مطالب لم يرفضها النظام فقط، بل ردّ عليها بحملات القتل والاعتقالات والتدمير والتهجير، ممهدًا لظهور العنف المضاد، آخذًا سوريا والسوريين إلى الإخضاع بالقوة الذي يتنافى والديمقراطية، التي لا تعيش ولا تمارس في ظل السلاح والقتل والاعتقال والتهجير والدمار والجوع والفقر، وكلها ظواهر تصيب الديمقراطية في مقتل.
مرت نحو خمس سنوات من العنف. الأساسي فيه عنف النظام وإرهابه، ثم عنف الجماعات المسلحة، وأكثرها وحشية كان عنف الجماعات الإرهابية المتطرفة من “داعش” والنصرة وأمثالهما، مما أغلق بوابات المشروع الديمقراطي في سوريا رغم ولادة تحالفات وأحزاب وجماعات، وتنظيمات مسلحة، اتخذت لها أسماء “ديمقراطية”، لكنها جميعًا تعجز عن أي إجراء أو سلوك أو تفكير من طبيعة ديمقراطية، لأن بيئة الديمقراطية غائبة في ظل السلاح والصراعات المسلحة.
وإذا كانت الديمقراطية لا تعيش إلا في أجواء السلم، فإن السلم لا يمكن أن يتحقق بوجود نظام مستبد وديكتاتوري ومجرم، كما لا يتحقق السلم بوجود جماعات إرهابية متطرفة، ولا يمكن أن يسود بوجود سلاح منفلت من عقاله لا يضبطه القانون، وهذا يعني أن مشروع الديمقراطية السوري مؤجل إلى حين إيجاد حل سياسي للقضية السورية، وعندها فقط يمكن لسوريا والسوريين إعادة إطلاق مشروع ديمقراطي لسوريا المستقبل.
الشرق الأوسط