تبدلت الأوضاع الحياتية في المجتمع السوري من كافة النواحي، إلا أن الجانب الاجتماعي هو الأهم لأن تأثيراته سلبية كانت أم إيجابية تنعكس على نفسية الأفراد وتزيد من مخاوفهم، ولعل ظاهرة الزواج هي من أكثر الظواهر الاجتماعية التي تأثرت بوضع الحرب المتردي سواء عند الرجال أو النساء.
” انوبتوبيا ” هي الخوف من عدم الزواج والبقاء في حالة العزوبية طوال العمر، حالة في الماضي اعترت نفوس النساء أكثر من الرجال لكن بعد الحرب السورية صارت منتشرة بينهم على حد سواء فتيات كثيرات منهن نبن عن أمهاتهن بعد استشهادهن لتربية أخوتهن الصغار إن وجدوا والاهتمام بأمور العائلة والمنزل للوقاية من التشتت، فهنالك أكثر من 20 ألف امرأة شهيدة تحت قصف النظام أو التعذيب بالمعتقلات الأسدية، فضلاً عن تراجع نسبة زواج الفتيات وتفشي العنوسة بنسبة 70 % خاصة بعد هجرة مئات الآلاف من الشباب لخارج سوريا، بينما الأنثى تبقى مرتبطة بوضع أسرتها وعاداتها مع عادات المجتمع الشرقي، هذا غير أن بعض الأهالي يركضون وراء المظاهر الاجتماعية من ثراء ونسب فيكونوا بذلك معوقا كبيرا أمام زواج فتياتهم.
سلمى من ريف حلب تقول:” لم أستطع إكمال دراستي بسبب الظروف الأمنية السيئة وفي تقاليد عائلتنا لا يزوجون الفتاة إلا بعد أن تحصل على شهادتها الجامعية لاعتقادهم أنها بالمستقبل تؤمن أمورا كثيرة لها”.
أما عن ” الجاموفوبيا ” المعاكس للانوبتوبيا لأنه مرض الخوف من الارتباط والزواج وتشكيل عائلة ضمن منزل (عش الزوجية) ولا سيما عند الرجال أكثر من النساء ومن أبرز أسبابه في الحرب السورية خوف الفتاة من الارتباط الزوجي لأنه قرار مصيري يحتاج لتفكير عميق وطويل ويحتاج لعدة مزايا يجب أن تتوفر فيه وفقاً لأحلام كل فتاة، أما عن الشباب موجة القلق تجتاح معظمهم بما أنهم يجهلون مصير حياتهم بالمستقبل بعد أن أضحى معظمهم يخدم في الجيش السوري أو متطوع مع الكتائب الثورية أو لاجئ لأوربا، عقب ذلك لا يتجرأ على الذهاب وطلب أي فتاة من أبيها لكي لا يعلق حياة فتاة بمستقبله الغامض المعالم، ناهيك عن الغلاء الفاحش تزامناً مع الوضع الاقتصادي المتدهور لدى الجميع بعد أن بات أكثر 80% من الشعب السوري تحت خط الفقر، والاستقلالية تحتاج لمنزل والأخير يتوجب توافر كل ما هو ضروري وكل ذلك يحتاج للمال الذي أصبح مرتفع بشكل خيالي مع ازدياد قيمة الدولار.
أحمد من مدينة إدلب في الثلاثين من عمره يقول:” أنا أرفض فكرة الزواج من فتاة عاملة خارج نطاق منزلها خوفاً من كلام الناس عنها بعد الزواج وأنا لا أتحمل ذلك لأنني في النهاية رجل شرقي”، وهذا شائع كثيراً بين العائلات المتحفظة نسبياً والمتدينة رغم أن عدداً وافراً من الفتيات لجأن للعمل لإعالة أهلهم بعد أن وصلت نسبة البطالة في سوريا قرابة 50%.
تلك الظاهرتان السابقتان للذكر ليستا فقط ما أثرتا على الأفراد ونفسيتهم بل أفرزت ردود فعل أخرى على المجتمع لا تقل خطورة عن الفائتة، بدءاً من الانتشار الكبير للخطابات التقليديات فضلاً عن الإلكترونيات (عبر المواقع) مروراً بالاضطرار إلى ارتداء الحجاب للظفر بعريس وصولاً إلى اللجوء إلى التدين المفرط وتجنب الاختلاط والتضرع إلى السماء لتجود بنعمها وتبعث بفارس الأحلام “بقدرة قادر”.
من الواضح أن الشباب السوري ذكوراً أو إناثا يعانون من المشاكل الاجتماعية الاقتصادية الثقافية التي رتبت خلفها مشاكل نفسية هي الأخرى أيضاً تزيد من الأعباء الكثيرة المتجلية في واقع المعيشة خلال الحرب السورية.
المركز الصحفي السوري – محار الحسن