العربي الجديد
تتعرّض مدينة الزبداني الواقعة في الريف الدمشقي على الحدود السورية اللبنانية، إلى قصف جوي ومدفعي متواصل منذ ما يقارب عامين ونصف العام، تخللته معارك عدّة عنيفة، وأكثر من اتفاق للتهدئة بين قوات النظام وكتائب المعارضة، استمر أطوله لمدة شهر، مما أنهك المدينة التي أصبحت مدمّرة، وأجبر سكانها البالغ عددهم قرابة الـ30 ألف مدني، على النزوح نحو المناطق المحيطة.
واقتحمت قوات النظام، مدعّمة بعشرات الدبابات والمدفعيات، مدينة الزبداني في منتصف شهر فبراير/ شباط 2012، لتستعيد أول مدينة خرجت عن سيطرتها ووقعت في قبضة كتائب المعارضة المسلّحة. ومنذ ذلك الحين تعيش الزبداني حالة من الحصار الخانق، إذ تفرض قوات النظام السوري الحصار عليها من خلال سيطرتها على الجبال المحيطة بالمدينة من الجهتين الشرقية والغربية، فضلاً عن سيطرتها على الطريق الرئيسي الموصل إلى مدينة دمشق وبلدات بلودان ومضايا وسرغايا وبقين، المحيطة بمدينة الزبداني من جميع الجهات.
ويشير المتحدث باسم كتائب أحرار الشام في المدينة، رامز زين الدين، في حيدث لـ”العربي الجديد”، إلى أن قوات النظام السوري تنشر “أكثر من مئتين وثلاثين معسكراً وحاجزاً ونقطة عسكرية في محيط مدينة الزبداني، يتمركز معظمها على الجبال المحيطة بالمدينة، الأمر الذي يمكنّها من استهداف المباني السكنية ونقاط تمركز قوات المعارضة في المدينة بسهولة كبيرة”. ويوضح أن هذا الأمر “يضع قوات المعارضة في موقف صعب جداً، إذ إنها تسيطر على مدينة الزبداني وعلى المنطقة السهلية التي تقع في محيطها في مقابل احتفاظ قوات النظام السوري بالسيطرة على المرتفعات والجبال المحيطة بمنطقة سيطرة قوات المعارضة”.
وكانت قوات النظام السوري قد انسحبت من آخر حواجزها العسكرية داخل مدينة الزبداني منذ أكثر من عامين، لتتمركز في مناطق الجرجانية والمعمورة والشلاح الواقعة إلى الشرق من المدينة، والتي تتكون من مجموعة جمعيات اصطياف ومبان سياحية. وعمدت إلى نصب الحواجز العسكرية في المنطقة بهدف فرض الحصار على المدينة.
وتحتفظ قوات المعارضة ببعض نقاط السيطرة في الجبال المحيطة بالمدينة من جهتي الشرق والغرب، إلا أن هذه النقاط لا تؤمن لها أية خطوط إمداد. وتستفيد منها كخطوط دفاعية لتحافظ على مناطق سيطرتها في المدينة، من دون أن تمكّنها من فتح خطوط إمداد نحو مناطق سيطرتها في المدينة.
وتمكنت قوات النظام السوري منذ مطلع العام الحالي من قطع آخر خطوط إمداد المعارضة المتمركزة في المدينة نحو الأراضي اللبنانية المجاورة. واستفاد النظام من معلومات استخباراتية حصل عليها بعد اختراق مجموعات المعارضة، التي تقوم بنقل الجرحى للعلاج في منطقتي مجدل عنجر ومعربون اللبنانيتين، ليحصل على خريطة الممرات الجبلية، التي تقوم المعارضة باستخدامها للوصول إلى مجدل عنجر أو معربون.
وقامت قوات النظام إثر ذلك بإغلاق هذه الممرات عن طريق زرع الألغام بشكل كثيف عليها عبر إنشاء حقول ألغام في المنطقة الواقعة بين مدينة الزبداني وبلدة سرغايا، وفي المنطقة الواقعة بين بلدة سرغايا والحدود اللبنانية، وفي المنطقة الواقعة بين مدينة الزبداني والحدود اللبنانية، في الوقت الذي قام فيه الجيش اللبناني أيضاً بإنشاء حقول ألغام في المنطقة الحدودية المقابلة لمدينة الزبداني، بحسب مصادر محلية في المدينة.
ويقطن مدينة الزبداني حالياً نحو ألف شخص، بينهم مدنيون ومقاتلون من لواء “الفرسان” و”تجمع كتائب حمزة بن عبد المطلب” التابعين لـ”الجبهة الإسلامية”، بالإضافة إلى مقاتلين من المجلس العسكري التابع لـ”قيادة أركان الجيش السوري الحر”.
وتعاني تشكيلات المعارضة في المدينة من مشاكل في الإمداد والذخيرة وافتقار إلى السلاح الثقيل ومضادات الدروع، بسبب عدم وجود خطوط إمداد مفتوحة مع مناطق سيطرة المعارضة السورية في منطقة القلمون وريف حمص من جهة، وعدم وجود طريق إمداد مفتوح لها يصل مناطق سيطرة المعارضة في مدينة الزبداني بمناطق سيطرتها في غوطة دمشق الشرقية من جهةٍ ثانية.
وخاضت قوات المعارضة معركة كبيرة في شهر أغسطس/آب الماضي حاولت من خلالها السيطرة على الجبال المحيطة بالمدينة بهدف فك الحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري عليها، إلا أن الأمور ازدادت سوءاً. وبعد تمكّن المعارضة من السيطرة على أكثر من خمسة حواجز في محيط المدينة، قامت قوات النظام بجلب تعزيزات عسكرية كبيرة من قوات اللجان الشعبية لاستعادتها. كما كثّفت القصف الجوي، إذ ألقت نحو مئة برميل متفجر خلال أسبوع، على مناطق تواجد النازحين في محيط حاجزيّ “الشلاح” و”الزعطوط”، الأمر الذي أدى إلى مقتل ثلاثين مدنياً على الأقل من سكان المنطقة وإجبار الباقين من سكان المناطق المحيطة بالحواجز، التي سيطرت عليها قوات المعارضة على النزوح منها، بحسب تنسيقية الثورة في مدينة الزبداني.
“ |
اتجه معظم النازحين من مدينة الزبداني نحو بلدات مضايا وبلودان وسرغايا وبقين القريبة. كما اتجه بعضهم إلى دمشق، وفضّل بعضهم الآخر النزوح نحو لبنان.
وأوضح الناشط الاعلامي، فادي الصالح، لـ”لعربي الجديد” وضع هؤلاء النازحين، قائلاً إن “من قرروا النزوح نحو البلدات المحيطة بالزبداني تعرضوا خلال الأشهر الماضية إلى مضايقات كثيرة من أجهزة الاستخبارات السورية والميليشيات المحلية المتحالفة معها، وصلت في كثير من الأحيان إلى حملات اعتقال عشوائية شملت العشرات من سكان الزبداني النازحين”.
ويلفت صالح إلى أن “من تبقى من سكان المدينة يعانون من تبعات الحصار المستمر بشكل كامل، منذ ما يناهز العام، إذ يعاني السكان من نقص في إمدادات الغذاء الذي يصل إلى المدينة بأسعار مرتفعة نتيجة تلاعب التجار بالمشاركة مع المسؤولين عن الحواجز العسكرية التابعة للنظام السوري، والتي تقبض الأتاوات مقابل سماحها بمرور كميات قليلة من الأغذية الأساسية”.
ويُعاني سكان المدينة من صعوبات في الحصول على الكهرباء والمياه. كما أن أطفال المدينة لم يذهبوا إلى المدارس للعام الثاني على التوالي بسبب غياب الكوادر التعليمية، الأمر الذي أدى إلى توقف جميع مدارس المدينة عن العمل.
وتعتبر الزبداني من أوائل المدن، التي خرجت فيها التظاهرات المنادية برحيل النظام. كما أنها اشتهرت خلال العام الأول من الثورة بحراك رجالها ونسائها المدني، الذي تمثّل بالتظاهر المستمر في ساحة الجسر وسط المدينة، عدا عن اللافتات التي رفعت فيها.
ومن إحدى النشاطات التي أحدثت رد فعل عنيفاً لقوات النظام، قيام مجموعة ناشطين محليين بنصب مجسّم وسط ساحة الجسر، يأخذ شكل السيف الدمشقي الموجود في ساحة الأمويين في العاصمة دمشق، ومطلي بألوان علم المعارضة، مما دفع النظام لإيصال رسائل يومية للأهالي، مفادها “إن لم تزيلوا المجّسم، سندمّر الساحة” وهذا بالفعل ما حدث.
وفي 2012، تألف مجلس محلي من مجموعة من وجهاء المدينة، ليكون من أوائل المجالس المحلية التي شُكلت في المدن، التي انطلقت فيها التظاهرات المطالبة برحيل النظام السوري، قبل أن يحمل بعض أبناء المدينة السلاح ويشكلوا أولى كتائب الجيش الحر فيها بالتعاون مع الجنود والضباط الذين انشقوا عن قوات النظام في المدينة، لتبدأ بعدها المواجهات العسكرية بين الطرفين، ولتنتهي إلى حالة الحصار الكامل الذي تفرضه قوات النظام على المدينة والسهل المحيط بها مع قصف يومي، أسفر حتى اليوم عن مقتل 550 شخصاً، واحتراق مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، فضلاً عن التدمير الذي أصاب 80 في المائة من الزبداني.