عكس إعلان الناطقة باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، تحالف يهيمن عليه حزب الاتحاد الديمقراطي(الكردي) وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب”، المفاجئ بدء معركة تحرير الرقة (كان وزيرا الدفاع الأميركي آشتون كارتر والبريطاني مايكل فالون قد حددا “أسابيع قليلة مقبلة” لانطلاق العملية) وتركيزها على استبعاد تركيا عن المشاركة في العملية أجواء “نصر” سياسي على خلفية رسو اختيار التحالف الدولي لهم للقيام بهذه المهمة وما يمكن أن ينطوي عليه من قبول بخيارات القوات السياسية، عزز إحساسهم بـ “النصر” وصول مستشارين عسكريين أميركيين وفرنسيين وألمان للمشاركة في إدارة المعركة، وقد كان لافتا التباين الصادم بين أعداد المقاتلين الذين ظهروا في أرض المعركة، بحدود 1500 مقاتلا، وحديث إعلاميي “القوات” بحشدها 30000 مقاتل للعملية، ما يعكس قلقها من توجهات لاستدعاء أطراف أخرى غير مرغوب فيها للمشاركة فيها.
اختلفت تقديرات المحللين حول مبرّرات تكليف “قوات سوريا الديمقراطية” بهذه المهمة الحسّاسة، بين القول إن واشنطن اختارت هذه “القوات”؛ لاستعداداتها وقدراتها، وبين القول إنها اختارتها مضطرة، بعد أن رفضت فصائل المعارضة العربية المسلّحة قبول التعاون مع واشنطن وفق خطة “داعش” أولا، أو “داعش” فقط، ومطالبتها (الفصائل) بخطة لقتال “داعش” والنظام في آن. وقد دفعها موقفها الرافض لرعاية قتال ضد النظام؛ كي لا تنزلق إلى إدارة حرب بالوكالة، أو تنخرط في الصراع؛ فتصطدم بإيران وروسيا، علاوة على رغبتها في تحقيق انتصارٍ سريعٍ على “الإرهاب”، قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما، إلى هذا الاختيار، مع ما ينطوي عليه من تداعيات سياسية وعسكرية، محلية وإقليمية.
انطوى اختيار التحالف الدولي لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، على فرص ومخاطر في آن؛ فـقد أثبتت هذه “القوات” جدارتها في مواجهة “داعش” في أكثر من موقع ومعركة، ليست معركة تحرير عين العرب/كوباني إلا صورتها الأوضح والأبرز، ومعارك رأس العين، وتل حميس، وجنوب الردّ، والهول، واليعربية، والحسكة، وتل أبيض، والشدّادي، وسدّ تشرين، شواهد بارزة على استعداداتها للتضحية وقدراتها القتالية.
غير أن استعداداتها وقدراتها الكبيرة، لا يمكن أن تبرر، وحدها، اختيارها للمهمة، خاصة أنها تسعى إلى فرض مشروعٍ سياسيٍ لا يحظى بإجماع وطني، وأن سجلها الحقوقي يشي بممارسات عنيفة، وغير قانونية، ضد المواطنين العرب والتركمان في المناطق التي حررتها من “داعش”، والرقة منطقة معظم سكانها من العرب؛ ما يثير هواجس ومخاوف من تكرار هذه الممارسات، وهذا يطرح علامات استفهام حول منطقية الاختيار الأميركي وبراءته، علاوة على أن تمكينها من “تحرير” الرقة؛ سيحولها إلى قوة مهيمنة على الكرد ومصيرهم في سورية، والسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، وهذا ما يعزز تمسكها بمشروعها السياسي ورفض اعادة النظر فيه لملاقاة التوجهات الوطنية الأخرى والذهاب الى حل متفق عليه، من جهة، ويخلق، من جهة ثانية، بيئة عدائية، قد تقود الى اقتتال داخلي كردي كردي، وعربي- كردي، ناهيك عن رفع نسبة احتمال تدخل عسكري تركي في المنطقة، حيث ظهرت بالتزامن مع الاعلان عن بدء المرحلة الأولى، مرحلة عزل الرقة، تحفظات عربية وتركية على اختيار هذه “القوات” للعملية في ضوء تقديرها ان مشاركة “قوات سوريا الديمقراطية”، ومن خلفها “وحدات حماية الشعب” تهدف الى تحصين “الكيان” الذي أقامته شمالي سوريا، وفرض نفسها لاعبا أساسيا في أي تسويات مقبلة، من خلال المقايضة على الجغرافيا، مقابل تعزيز مكاسبهم في جغرافيا أخرى، بدأت برفض “لواء ثوار الرقة”، الفصيل العربي الوحيد ضمن هذه “القوات”، المشاركة في المعركة على خلفية ممارسات هذه “القوات” العرقية في المناطق التي سبق وحررتها من “داعش”، وصدور بيان سياسي موقع من ستة تجمعات سياسية ومدنية رقاوية في مدينة أورفا التركية، حيث التجمع الأكبر لأبناء الرقة خارج سوريا، منها “مجلس محافظة الرقة” و”نقابة معلمي الرقة”، أعلنت فيه رفضها لإعلان بدء “معركة عزل وتحرير الرقة” لأنه “يؤدي إلى نزاع قومي بين العرب والكرد قد يمتد لعشرات السنين”.
تركيا، التي أستفزها اعلان قيادي في “قوات سوريا الديمقراطية” انهم اتفقوا بشكل نهائي مع التحالف الدولي على عدم وجود أي دور لتركيا أو للفصائل المسلحة المتعاونة معها في عملية تحرير الرقة، عبرت بطرق عدة عن عدم موافقتها على هذا الاختيار بدءا باعلانها ان هدفها الأول هو اخراج “قوات سوريا الديمقراطية” من مدينة منبج، في تلميح الى عرقلة عملية عزل الرقة عبر مهاجمة “قوات سوريا الديمقراطية” في منبج، ناهيك عنما رشح من أنباء عن بدء استعدادات لدخول أكثر من 500 مقاتل من أبناء الرقة كانوا قد تدربوا في معسكرات يديرها الجيش التركي إلى الأراضي السورية، في عملية، ان صح النبأ، خلط أوراق وفرض خيارات بديلة، وتأكيدها عبر تصريح نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، “إن استخدام عناصر غير عربية لطرد مقاتلي “داعش” من معقلهم في مدينة الرقة السورية لن يساهم في إحلال السلام في المنطقة، وإن كل خطوة تخطوها عناصر غير عربية في عملية الرقة ستكون ضد مصالح الولايات المتحدة… هذا طريق مسدود. هذا هو المسار الخطأ”، وتحذيرها من المس بالتركيبة السكانية لمدينة الرقة، ومطالبتها ببقاء تركيبة المدينة كما كانت قبل احتلال “داعش” لها.
النظام بدوره تحفظ على اختيار “قوات سورية الديموقراطية”، فقد ربطت صحيفة “الوطن” السورية القريبة منه بين اطلاق العملية والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وشككت بقدرة هذه “القوات” على انجاز المهمة موردة قول مصدر ديبلوماسي غربي في باريس، دون تسميته، “انه لا قدرة لدى “قوات سورية الديموقراطية” على مقاتلة التنظيم الإرهابي ولو ساندتها واشنطن وباريس بكل ما لديهما من قوة”.
حاولت واشنطن امتصاص رد الفعل العربي والتركي عبر اطلاق التصريحات المطمئنة مثل اعلان المبعوث الخاص لقوات التحالف الدولي بريت ماكغورك “إن واشنطن على اتصال “وثيق جدا” مع تركيا بشأن معركة الرقة”، وارسال رئيس أركان الجيش الأمريكي جوزيف دانفورد إلى أنقرة، وعقده اجتماعا، الأحد، مطولا مع نظيره التركي خلوصي أكار وقيادات سياسية وعسكرية تركية امدت قرابة 4أربع ساعات ونصف ساعة، وصفته وسائل الإعلام التركية بالمهم جداً، واعلانها عن العمل مع تركيا لاعداء خطة لتحرير المدينة، في تلميح الى ان دور “قوات سوريا الديمقراطية” يتوقف عند عزل المدينة.
لكن هل ستنجح الولايات المتحدة في تهدئة الرفض العربي والتركي؟.
يستدعي الموقف خطوات عملية وملموسة تحسم قضية بقاء الرقة لأهلها، شكلا ومضمونا، وتأكيد رفض ما كان اعلنه ممثل “حزب الاتحاد الديمقراطي” في كردستان العراق، غريب حسّو، في تصريحٍ له نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية، “ضمّ الرقة بعد تحريرها إلى الفدرالية”، التي كان “تجمع سوريا الديمقراطية” قد أعلن عن تبنيها في مؤتمر رميلان يوم 17 آذار 2016، وأن التحرير لن يتم على أنقاض مصالح أهل الرقة وحقوقهم، كما يستدعي إقناع الدول الداعمة للمعارضة بأن عملية التحرير لن تكون على حساب مصالحها، ومصالح حلفائها من فصائل المعارضة المسلحة، بدءا من العمل على وقف هجمات “قوات سوريا الديمقراطية” عليها، مرورا برفع الحظر عن دعمها بالسلاح النوعي والذخائر، من أجل تمكينها من الدفاع عن مناطق سيطرتها ضد “داعش” والنظام في آن، وصولا إلى إشراكها في معركة عزل الرقة، وتشتيت قوات “داعش”، ودعمها وإسنادها، خلال المواجهة، بالأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخبارية والقصف بالطائرات، كما هو حاصل مع “قوات سوريا الديمقراطية”.
المدن – علي العبد الله