أردوغان يتحمل اللوم بشأن ما يصل إلى 400 مليار ليرة من الديون الإضافية المترتبة على الشركات التركية.
أدى انحدار العملة التركية إلى مستويات قياسية متدنية أمام الدولار الأسبوع الماضي إلى اختراق الديون الأجنبية للشركات التركية حاجز تريليون ليرة، وهي في غالبيتها قروض طويلة الأجل بالعملات الأجنبية.
وترتفع تكلفة الدين على الشركات التركية بشكل مزعج وبسرعة شديدة هذه الفترة، وذلك في ظل انزلاق قيمة الليرة بسرعة هائلة، والتي فقدت أكثر من 15 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام ليتجاوز الدولار حاجز 4.5 ليرة.
واستنادا إلى الأرقام الرسمية الصادرة يوم الخميس عن البنك المركزي فإن الاقتراض الأجنبي للشركات التركية وصل إلى نحو 227 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، أي ما يعادل نحو 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وبزيادة تبلغ نحو 5.5 مليار دولار مقارنة بنهاية العام الماضي.
وتساوي القروض عند تقييمها بالليرة مبلغا ضخما يتكون من عشرة أرقام للمرة الأولى.
ويمكن ملاحظة الانحدار المتسارع والتغيرات الكبيرة عند المقارنة بمستوى اقتراض الشركات التركية في عام 2002 حين وصلت الحكومة الحالية إلى السلطة قبل نحو ثلاث سنوات والذي لم يتجاوز في ذلك العام 7 مليارات ليرة.
وحدث الانحدار الأكبر في عام 2016 الذي شهد محاولة الانقلاب حين اقترضت الشركات التركية نحو 190 مليار دولار، ما دفع وكالات التصنيف الائتماني والمحللين حينها لتوجيه تحذيرات شديدة بشأن تعرض الشركات لمخاطر ترتبط بالعملات الأجنبية.
لكن الدولار الواحد كان يعادل 3 ليرات فقط قبل عامين، وهو ما يعني أن عبء الديون كان يعادل حوالي 570 مليار ليرة فقط بالعملة المحلية، وبالتالي فإن ما يحدث اليوم يعتبر نتيجة متوقعة.
ويتحمل الرئيس رجب طيب أردوغان معظم اللوم بشأن ما يصل إلى 400 مليار ليرة من الديون الإضافية التي ينبغي على الشركات التركية تسديدها الآن.
وتتعارض نظرية أردوغان، التي تقول إن رفع أسعار الفائدة يزيد التضخم، بشكل صارخ مع جميع مفاهيم الفكر الاقتصادي المعروفة، وهو ما يعني أن أيادي البنك المركزي سوف تظل مغلولة، رغم أنه يدرك الحاجة الملحة لرفع الفائدة لوقف التراجع في الليرة وكبح مستويات التضخم المرتفعة.
ووصل التضخم في تركيا إلى 10.9 في المئة وهو أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط المعدلات في الأسواق الناشئة. ويبلغ سعر الفائدة الرئيسي في البنك المركزي 13.5 في المئة.
وتوسعت تلك السياسات المثيرة للجدل لتشمل نهج الحكومة تجاه الاقتصاد ككل، فقد سعى أردوغان لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال حوافز على القروض، ومساعدات مالية للمتقاعدين، وحوافز استثمارية بعشرات المليارات من الدولارات لحلفائه المستثمرين بينها تخفيضات ضريبية وتأجيلات في مدفوعات الضمان الاجتماعي.
ودفعت تلك السياسات المستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني وصندوق النقد الدولي إلى التحذير من الدخول في اقتصاد تضخمي.
وفي ضوء متاعب الليرة، ليس من المدهش أن نرى شركات، مثل يلدز القابضة المصنعة لشوكولاتة جوديفا والملياردير التركي فريد شاهينك، الذي كان يوصف بأنه أنجح رائد أعمال تركي شاب، تسعى حاليا للحصول على مساعدة البنوك لإعادة هيكلة مليارات الدولارات من الديون الأجنبية.
ويبدو أن الديون المتعثرة في كبرى الشركات التركية ما هي إلا القمة الطافية من جبل الجليد. ولا توجد بيانات رسمية متاحة عن وضع الاقتصاد ككل، لكن البنوك تتحدث عن ارتفاع في طلبات إعادة هيكلة الديون.
وزادت القروض، التي تخضع لتدقيق شديد في “آك بنك” وهو ثاني أكبر البنوك التركية المدرجة في البورصة، إلى ثلاثة أضعاف مستوياتها تقريبا في نهاية مارس الماضي مقارنة بما كانت عليه قبل 6 أشهر لتصل إلى 22.3 مليار ليرة.
وتقول النتائج المالية للبنك إن القروض التي يعرف البنك بأنها معرضة لخطر التخلف عن السداد تشكل حوالي 10 بالمئة من إجمالي الديون. ويمكن رؤية صورة مشابهة في مختلف أنحاء القطاع المالي في تركيا.
وما يجعل الصورة أشد كآبة هو أن إجمالي الديون في القطاع المصرفي التركي تتجاوز حاليا الودائع بنحو 20 في المئة. ومع ذلك، لم تمنع هذه الأرقام أردوغان من إصدار أوامر للبنوك الحكومية بتحمل خسائر في قروض رهون عقارية.
وفي الأسبوع الماضي، خفض البنك الزراعي وبنك خلق الفائدة على الرهون العقارية إلى 0.98 بالمئة في الشهر، حيث تعد نسبة واحد في المئة عتبة نفسية رئيسة في تركيا.
وفي المقابل، يفرض “بنك أيش” وهو أكبر مصرف مدرج في البلاد نحو 1.3 في المئة شهريا على الرهون العقارية. وتتجاوز أسعار الفائدة التي تعرضها البنوك على الودائع نسبة 13 في المئة.
وكانت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية حذرت يوم الخميس من أن تركيا مصنفة مع ثلاثة اقتصادات هشة إلى جانب الأرجنتين وأوكرانيا. وتشترك البلدان الثلاثة في أمرين هما التعرض للديون الأجنبية وارتفاع التضخم.
وتسعى الأرجنتين للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها، في وقت رفعت فيه أسعار الفائدة بنسبة 12.75 بالمئة لتصل إلى 40 بالمئة خلال الأسبوعين الماضيين لتحقق الثبات في سعر العملة المحلية البيسو. وتطبق أوكرانيا حاليا برنامجا مع الصندوق بقيمة 17.5 مليار دولار.
مارك بنتلي – العرب