شهدت الفترة الأخيرة التي تلت استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمهامه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية توتراً في العلاقات مع إيران, بعد أن اتسمت بالهدوء في عهد الرئيس السابق باراك أوباما, وظهر ذلك جلياً بعد استلام عدد من الأشخاص المعادين لإيران ومباشرتهم لمهامهم ضمن الإدارة الجديدة التي شكلها ترامب.
ورغم هذا التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية, واتساع نطاق الخلافات بين الطرفين حول العديد من الملفات العالقة بينهما, إلا أن ذلك لم يدفع إيران إلى التسرع في اتخاذ قرارات للرد على التعليقات التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, للوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي الأمريكي في 19 أبريل 2017, بإجراء مراجعة للاتفاق النووي, وتقييم مدى التزام إيران به, ومدى استجابته لمصالح الأمن القومي الأمريكي, وهو ما بدا جليا في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني, محمد جواد ظريف التي دعا فيها إلى “عدم إبداء اهتمام بتصريحات ترامب”, وهذا يشير إلى نية طهران تأجيل اتخاذ أي قرار جديد يمكن أن يؤثر في سير العمل بالاتفاق النووي إلى حين انتهاء فترة التقييم التي حددها ترامب بثلاثة أشهر..
لماذا لا تتسرع إيران في الرد:
عدم اهتمام إيران بتصريحات ومواقف المتشددين في إدارة ترامب إزاء الاتفاق النووي, عزاه البعض إلى عدة عوامل دفعت إيران إلى عدم التسرع في الرد على التصعيد الأمريكي الأخير تجاهها, رغم التوقعات التي تشير إلى أن الرئيس ترامب قد يقدم على خيارات أخرى غير خيار استمرار واشنطن في الاتفاق, بدليل تأكيده في 30 أبريل 2017، أن “الاتفاق النووي مسيء للمصالح الأميركية، لأنه يؤثر سلباً في الاقتصاد الأميركي”، بما يعني أنه يستبق التقييم الذي ستقدمه الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي في غضون 90 يوماً.
يتجلى العامل الأول في إدراك المسؤولين الإيرانيين لظاهرة صعوبة تمرير قرارات ترامب التنفيذية عبر المؤسسات الأمريكية الرسمية الأخرى, حيث تلقى قرارات ترامب معارضة كبيرة, بدليل ما حدث عندما اصدر ترامب قراره الشهير بمنع دخول مواطني سبع دول إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية, على عكس التوقعات قبل توليه مهام منصبه, وهذا يعني أن تهديدات ترامب لن تلقى آذاناً صاغية في دوائر صنع القرار الأخرى داخل البيت الأمريكي, وربما لن تترجم إلى خطوات إجرائية على الأرض, سيما وأن لهذه القرارات نتائج عكسية وتداعيات سلبية على المصالح الأمريكية القريبة.
إذ إن تهديده، على سبيل المثال، بالانسحاب من الاتفاق لن يكون سهلاً، في ظل التأثيرات المحتملة التي قد ينتجها، والتي لن تنحصر فقط في توتر علاقات واشنطن مع القوى الدولية المهتمة بمواصلة العمل بالاتفاق، وإنما ستمتد أيضاً إلى تزايد احتمالات إقدام إيران على إعادة تطوير برنامجها النووي من جديد، بشكل قد يفرض أخطاراً لا تبدو هينة، خصوصاً أن تراجع واشنطن عن الاتفاق معناه عودتها إلى التلويح بالخيار العسكري، وهو ما يمكن أن يدفع إيران من جديد إلى إعادة تفعيل الجانب العسكري من برنامجها النووي.
ويبدو أن تلك الدوائر تستند إلى أن تقييم الـ100 يوم الأولى من فترة رئاسة ترامب، يشير إلى أنه لم يتمكن من تنفيذ إلا القليل من قراراته، بسبب الفجوة الواضحة بين طموحاته وبين العقبات الموجودة على الأرض.
يتجلى العامل الثاني في حقيقة أن الولايات المتحدة الامريكية تقف اليوم أمام ملفات ساخنة أخرى, قد تؤدي بها إلى صراعات مفتوحة مع قوى أخرى قريبة من إيران, على غرار كوريا الشمالية, خصوصاً وأن الأخيرة زادت من وتيرة التصريحات والتهديدات والعروض العسكرية التي تحمل رسائل مباشرة لواشنطن بالرد القاسي والمزلزل, في حال إقدام الولايات المتحدة الامريكية على أي خطوة عسكرية استفزازية اتجاه كوريا الشمالية, بشكل سيدفع واشنطن وفقاً للرؤية الإيرانية, إلى عدم المجازفة باتخاذ قرار حاسم في بعض الملفات الكثيرة التي تحاول الإدارة الأمريكية اللعب بها, مثل الاتفاق النووي مع إيران, على الأقل في تلك المرحلة, لذلك يعتقد الإيرانيون أن إدارة ترامب تعيش مأزق حقيقي بالنسبة للخيارات المتاحة أمامه في التعامل مع الملف الإيراني بشكل عام,والذي لا يقتصر على الاتفاق النووي فحسب, بل يتعلق بالتمدد الإيراني داخل سورية وازدياد النفوذ في العراق أيضاً, لذلك هم يرجحون أن تتجه الإدارة الامريكية إلى رفع مستوى العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران, بحيث تؤثر على مؤسسات اقتصادية, ومصالح شخصة إيرانية ضيقة, على عكس العقوبات الحالية التي تركز على كيانات دولية وأشخاص مهتمين بنقل التكنولوجيا الحساسة إلى إيران..
المركز الصحفي السوري- حازم الحلبي