قطعت عدة دول عربية علاقتها مع قطر قبل عدة أيام, والحجة جاهزة وهي أن الدولة الأخيرة تقدم دعماً كبيراً وواسعاً للجماعات “الإرهابية والمتطرفة” على حد تعبيرهم, وتتآمر مع إيران الدولة التي لا تخف مطامعها في إطارها الإقليمي.
وقد وصلت القطيعة إلى درجة قريبة من الحصار الذي يفرضه الأشقاء ضمن البيت العربي الخليجي الواحد, على دولة عضو في مجلس التعاون الذي يجمعهم, وفي ظل هذا الحظر الغير المسبوق, والذي روجت له آلة إعلامية ضخمة, يتساءل مراقبون:
ما الذي يمكن أن تفعله “الدوحة” بعد ذلك؟.
حاول المسؤولون القطريون في بداية الأزمة عدم الإعتراف بمأزق المقاطعة, وقد بنوا آمالهم على دعم بعض الدول المتوافقة مع سياسة دولتهم في دعم ثورات الربيع العربي, إضافة لقيام بعض الدول الصديقة الأخرى بدور الوسيط من اجل تهدئة الأمور, ولكن مع استمرار بعض الأطراف الأخرى المستفيدة من الأزمة بالتحريض والضخ الإعلامي لزيادة اشتعال الأزمة, وجد القطريون أنفسهم أمام خيارات استراتيجية محدودة لمحاولة كسر طوق العزلة والحصار الذي رسم حدوده الأشقاء قبل الأعداء.
رغم كل ذلك تراهن قطر على قدرتها في تخطي الأزمة بالطرق السياسية والدبلوماسية, وتراهن أيضاً على نيتها مواجهة فترة طويلة من العزلة الاقتصادية والسياسية, رغم معرفتها بجوهر المخطط المفروض, ومدى صعوبة الصمود أمام أدواته, فليس من السهولة على قطر الدولة الخليجية الغنية تحمل سنوات طويلة جداً من الحصار الإقتصادي بنفس الطريقة التي طبقت على العراق بقيادة الرئيس الراحل “صدام حسين” في تسعينييات القرن الماضي لسنوات طويلة, وبما أن النفط والغاز الطبيعي يمثلان أكثر من 60% من ناتجها الإجمالي, فإن انقطاعاً جزئياً في تصدير الطاقة يمكن أن تكون له آثار سلبية للغاية في الرخاء الوطني, ولدينا مثال حاضر في الأذهان عن تجربة العراق إبان فترة الحصار بممارسة خطوة “الاقتصاد المقاوم” الذي يقوم على الاكتفاء الذاتي والتقشف, فهي لم تقدم بديلاً صالحاً, فكيف لها أن تقدم البديل في بلد نفطي يبلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي فيه نحو 80 ألف دولار, وهو النصيب الأعلى لمواطن عربي من المحيط إلى الخليج!.
وفي خضم هذه المعركة السياسية المفاجئة, والتي لا تصب في مصلحة أحد من دول الخليج, تراهن إيران على فكرة التوافق طويل الأمد مع دولة قطر “المحاصرة”, رغم أن هذه الفكرة مفيدة للأولى وليست خياراً قابلاً للتطبيق بالنسبة للثانية, فالاتجاه نحو إيران أو حتى روسيا في تقاسم موارد الطاقة وتوطيد العلاقات السياسية والاقتصادية, لن يحل المشكلة, لأن دولة قطر ترتبط ارتباطاً وثيقاً من الناحية الجغرافية والثقافية والتجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي, الذي يعتبر إيران منافساً إقليمياً وعدواً أيديولوجياً, سيما أن الأخيرة دائما تسعى إلى شن حملات تخريب هادئة ومنسقة ضد دول الخليج, بعد أن نجحت إلى حد كبير بالتوغل في خاصرة المنطقة الشمالية في كل من سورية والعراق.
ويبرز أيضاً الدور الأمريكي المعقد وغير المفهوم في إشعال فتيل الأزمة, رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع الاستغناء عن قطر وذلك نظراً لأهميتها, حيث برزت الدولة الصغيرة الحجم جغرافياً منذ تسعينيات القرن الماضي كعنصر رئيسي في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية بالشرق الأوسط, وهي تستضيف حتى اللحظة أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي في قاعدة “العديد”, وتعمل كمركز لوجستي رئيس للحملة الجوية ضد أعداء واشنطن في المنطقة, إلّأ أن هناك من يرى أن الولايات المتحدة تريد معاقبة قطر على شيء ما لم تتضح خيوط لعبته حتى الآن.
رغم الخيارات القليلة المتاحة أمام قطر لتجاوز الأزمة والتعامل معها, إلا أنها ماضية في الحفاظ على ثوابتها ودورها المحوري الإقليمي, لذلك ركّز المسؤولون القطريون منذ البداية على مسألة المؤامرة, والمضحك المبكي أن تكون الدولة العربية رأس حربتها التي تحركها الأطراف الخفية, التي مازالت حتى اللحظة تحيك المؤمرات ضد الثورات في بلاد الربيع العربي وداعميها في كل من الدوحة وأنقرة, فمهلاً أيها العرب, ماهكذا تورد الإبل, فالمنطقة ذاهبة إلى النفق المظلم المجهول!
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.