صرخت بأعلى صوتها مروى (14 عاماً) من ريف دمشق “أسرعوا يا إخوتي إلى حفركم الترابية.. لقد أقلعت طائرة الموت كما صّرح الناطق على القبضة.. ها هي قادمة نحونا”.
هذا هو حال أغلبية الأهل في ريف دمشق بعد أن أعيتهم حيل الهروب من قصف طائرات النظام وأعوانه التي لا ترحم الشجر والحجر والبشر وكأنها تتوعد لمن بقي من الأهل في تلك المنطقة “الموت للجميع”.
حملت الصبية مروى أصغر إخوتها “يزن” بحنية الأم المفقودة وبسرعة تشبه البرق وبيدين تعلوان وتدنوان من الأرض، حيث رمت بأخيها في حفرة أعدت مسبقاً من أب بكى طويلاً وهو يحفرها وكأنه يحضر قبور أبنائه، لكن ما من وسيلة أخرى، فالموت الفردي أرحم بكثير من فقدان العائلة بأكملها، وخصوصاً بعد أن فقد زوجته في نفس الظروف.
تتفقد الصغيرة الحفر الأخرى بعيون حائرة ولسان يقول “الله يحميكن يا رب.. قنا شر تلك الطائرة .. احمي إخوتي وأبي، لم يبق لي سواهم فهم بالنسبة لي كالماء والهواء”.
لم تكن عائلة مروى الأسرة الوحيدة التي لجأت للحفر الفردية خوفاً من استهداف الطيران للمدنيين، فأغلب الأهالي ألقوا بأبنائهم بحفر مشابهة، ولسان حالهم يقول اللهم اكفنا شرها..
وماهي إلا لحظات علا صوت هدير الطائرة بعد أن أفرغت حمولتها في منطقة قريبة معلنةً انفجاراً قوياً هز المنطقة وتساقطت حبات التراب على من كان في الحفر، خرج الأهالي بلسان شاكر الله على سلامتهم وسلامة أبنائهم.
مشت الشابة الصغيرة بخطوات بطيئة وهي تحمل أخيها الصغير “يزن” وتقبله قائلة “الحمد لله لا تبكي يا صغيري سأنظف لك وجهك البريء من التراب لتعود مشرقاً كما عادت دقات قلوبنا إلى أجسادنا المتعبة”.
بضحكة ساخرة نظرت إليها جارتها الجدة قائلة “ستحتاجين لوحاً من الصابون وقلبا حنونا لتنظفي إخوتك.. رحم الله والدتك على عدد حبات تربتها، وينتقم لها ولنا ممن ظلمنا”.
كشف والد “مروى” بصوت منخفض وحزين عن حياتهم اليومية قائلاً “في وضح النهار يعرف الأبناء حفرهم وتكون المهمة أسهل عندي.. أما في سواد الليل وهم نيام يصعب إيقاظهم ورغم أن جسدي ينام، لكن العقل عندي لا ينام وتستيقظ الجوارح خوفاً من مأساة جديدة”.
هكذا هم السوريون من وجع إلى وجع، لم يستطع الكثير منهم النزوح ورفضوا الفكرة متمسكين بالأرض، حفروا المغاور والكهوف لتكون منازلهم الجديدة، فكانت في بعض الأحيان قبوراً جماعية، أنهيت فيها حياة أبرياء كما حدث في أماكن متفرقة من الأراضي السورية، مما دفع الآخرين لحفر حفر علها تكون حالات موت أفراد لا جماعات.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد