فكرت المهدي
سل عن النيتروجين
لطالما لجأ العلماء إلى نظرية التطور لتفسير كيفية تحول أنماط الحياة على الأرض لتصل إلى هذه الدرجة من التعقيد التي نشهدها الآن، ولكنْ هناك شيء واحد لم يتمكنوا من تفسيره، وهو أنه كيف نشأت الحياة من مادة غير حية في المقام الأول.
تقول الفرضية السائدة إن الحياة بدأت في المحيط، حيث تؤمن الفتحات الحرارية المائية التفاعلات الكيميائية الضرورية لذلك. لكن دراسة جديدة لمعهد ماساتشوستس للتقنية وجدت أنه ربما لم يكن لدى المحيطات القديمة ما يكفي من محتوى النيتروجين، وذلك على عكس برك الماء الضحلة التي تكون غنية به.
يعرف النيتروجين في معظم الأحيان على أنه جزء أساسي من عملية الانتقال من العدم إلى الحياة. ووفقا للنظريات فإنه عندما اختلطت الأكاسيد النيتروجينية مع الحمض النووي الريبي البدائي، تم تحريض الحمض النووي الريبي كيميائيا لبدء تكوين الأحماض الأمينية الأولى، والتي تطورت بعد ذلك لتصبح أول كائنات بسيطة.
ولكن وفقا للدراسة الجديدة، من المحتمل ألا تصمد أكاسيد النيتروجين لفترة طويلة بما يكفي للوصول إلى المخارج الحرارية المائية في أعماق البحار، وذلك كي تؤدي دورها في نشأة الحياة.
وقد وجد الباحثون أن كلا من الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس، والحديد المذاب من الصخور، يلعبان دورا مهما في تكسير أكاسيد النيتروجين في الماء، وقد تم إهمال دراسة أثرهما في السابق.
الفرضية السائدة تقول إن الحياة بدأت في المحيط، حيث تؤمن الفتحات الحرارية المائية التفاعلات الكيميائية الضرورية لذلك(ويكيميديا كومونز/ استخدام عام) |
وصرح الباحث الرئيس في الدراسة في صفحة أخبار معهد ماساتشوستس، سوكريت رانجان: “لقد أظهرنا أنه إذا قمنا بتضمين هذين العاملين الجديدين اللذين لم يؤخذا في الحسبان من قبل، فإن ذلك سيقلل من تركيزات أكاسيد النيتروجين في المحيط بنسب كبيرة من مرتبة الآلاف، وذلك مقارنة بما تم حسابه في الدراسات السابقة”.
برك الماء الضحلة
وهكذا إذا لم يكن في المحيطات ما يكفي من النيتروجين، فمن أين بدأت الحياة؟ وفقا لفريق معهد ماساتشوستس للتقنية، تعتبر برك الماء الضحلة هي أفضل المرشحين الحاليين وذلك نظرا لأنه يمكن أن تتراكم تركيزات أعلى من أكاسيد النيتروجين في هذه البرك، مما يمنحها فرصة أفضل للتفاعل مع جزيئات مثل الحمض النووي الريبي.
يقول رانجان: “تنص رسالتنا العامة على أنه إذا كنت تعتقد أن أصل الحياة يتطلب نيتروجينا ثابتا، كما يعتقد كثير من الناس، فمن الصعب أن يبدأ أصل الحياة من المحيط ولكن من السهل جدا حدوث ذلك في البركة”.
ويرجح العلماء أن تكون هذه الأحواض بعمق يتراوح من 10 إلى 100 سم وبمساحة تصل إلى عشرات الأمتار المربعة أو أكثر.
ومع ذلك، يمكن القول إن الفكرة القائلة إن الحياة لم تنشأ في أعماق المحيطات لا تعد تغييرا كاملا للفرضية السائدة، لكنها تقدم دليلا جديدا مثيرا للاهتمام لإثارة الحجة نحو نشأة الحياة من مياه ضحلة على هيئة تركيبة بدائية للحياة.
نقلاً عن: الجزيرة