لم يحتج مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري إلى تكليف من القيادة في دمشق، للرد بشكل عنيف على تصريحات نظيره السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي.
تهديدات الجعفري «بقطع اليد» التي تمتد نحو دمشق، لها صداها في العاصمة السورية، في ضوء «تحسب» يترتب من «شعور الزهو» المخلوط «برعونة القيادة» لدى قيادة السعودية وفقا لما قاله مصدر سوري واسع الاطلاع لـ «السفير».
ورد الجعفري بكلمات وجهها مباشرة إلى وجه نظيره السعودي، بلهجة تحدّ وتحذير لم تخلُ من قسوة، وقال «وإذا كان لدى السفير السعودي فعلا صلاحية أن يهدد بلادي بما قال، فإنني أضعه أمام الامتحان. أمامكم جميعا»، مضيفاً «فلترنا السعودية ماذا تستطيع أن تفعل ضد بلادي، وعندها سنقطع اليد التي ستمتد إلى سوريا، وسنعاقب السعودية بما تستحق».
وليس مؤكداً إن كان كلام المعلمي بأن «السعودية التي أثبتت قدرتها على الحسم والحزم ونصرة الأشقاء لن تألو جهداً في سبيل مساعدة الشعب السوري على تحقيق تطلعاته»، عبارة عن موقف رسمي، أم أن تصريحاته جاءت «زهوا بالعملية العسكرية على اليمن»، وهو ما يبدو ملحوظا من مجمل التصريحات السعودية مؤخراً.
إلا أن هذا «الزهو»، يدعو الى «الاحتراس» لدى البعض في دمشق، لاعتبارات عدة، من بينها شعور القيادة السورية، أن سياسة السعودية باتت أقرب إلى سياسة قطر، والتي تراها دمشق مثقلة بـ «الرعونة والتبجح وقصر النظر».
ويزيد من هذا الاحتراس التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي باراك أوباما، منذ أسابيع للصحافي توماس فريدمان، والتي ترك فيها لقادة بعض العرب «اتخاذ المبادرة»، مطمئنا إياهم لـ «وجود دعم أميركي من الخلف»، وهو ما سيعمل على تفسيره بشكل أوسع ربما، في قمته المقبلة في 13 و14 أيار المقبل، التي يجمع فيها قادة دول مجلس التعاون الخليج في البيت الأبيض وكامب ديفيد.
ويزيد من هذه العوامل أيضا النكسات التي أصيب بها الجيش السوري ميدانيا، قبل حوالى الأسبوعين، سواء كان في الجنوب (درعا ومعبر نصيب) والشمال (إدلب)، أو بالقرب من دمشق أيضاً.
وثمة معلومات باتت أكثر واقعية أن السعودية وتركيا سترميان بثقل عسكري كبير على وحدات قتالية معينة في جبهات تقليدية قريبة من دمشق، كما في الجنوب والشمال أيضاً.
ويبدو واضحاً أن سياسة بدأت تتبلور لقلب «موازين القوى بشكل يترك أثراً على أية مفاوضات سياسية مقبلة»، وهي مفاوضات قد تكون «جنيف 3»، إن توفرت عوامل التئام الأطراف جميعا، علماً أن سياسة دمشق تقوم منذ بداية الأزمة على «رفض التفاوض من موقع ضعف».
وفي هذا السياق لا يبدو واضحاً بعد ما الذي ينوي الحلف المساند لدمشق فعله، أمام مخاطر مستجدة الآن، على الرغم من تحذيرات الجانبين الروسي والإيراني من مغبة تكرار السيناريو الليبي في سورية، وهي تحذيرات تكررت أمس على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولكن من دون أن يكون معلوماً كيف سيترجم هذا التحذير في ضوء المبادرات الأحادية التي اتخذت في اليمن، وما الذي يمكن أن يترتب عليه عسكرياً؟
وإلى جانب هذه التحذيرات يبرز تركيز ملموس «على العملية السياسية» في تصريحات الجانبين السياسية.
وأمس الأول، سهلت إيران مجدداً، لقاء سنوياً بين نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ومسؤول الدعم الإنساني في الخارجية السويسرية مانويل ويسلر، والذي تزامن مع لقاء ثلاثي جمع نواب وزراء خارجية إيران والعراق وسوريا، «في إطار سياسة التنسيق المشترك التي نشطتها زيارة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري إلى سوريا الشهر الماضي» وفقا لما أعلنه ديبلوماسي سوري لـ «السفير»، وبسبب «مواجهة الطرفين العراقي والسوري عدوا مشتركا هو الإرهاب».
وقال المقداد أن «الاجتماعات في طهران ستضع اللبنات الأولى في إطار عمل لا يتوقف لمواجهة كل المحاولات التي تبذلها التنظيمات الإرهابية من أجل تفتيت بلدان المنطقة وإعادتها إلى قرون سحيقة بعيدة عن الحضارة والتقدم الإنساني».
إلا أن الرهان على حل سياسي ليس في الأفق، لا يشكل «خطة مواجهة الاحتمالات الأسوأ»، والتي يستمر الرهان فيها على العمل العسكري الميداني.
وتبدو مدينة إدلب واستعادتها في مقدمته، كي لا تتكرر تجربة «الجبهات الموحدة» للتنظيمات الإسلامية المتطرفة في مناطق أخرى، كما سبق وجرى في إدلب والحدود الأردنية ـ السورية، رغم أن معارك الفصائل المتحالفة في الجبهة الأخيرة هي الأخرى بدأت تلوح في الأفق.
جريدة السفير