كل شيء وضع في مكانه بطريقة جميلة.. رائحة الريحان تملئ المكان.. زرعت في أواني اللبن الفارغة، جلست بجانبها أنتظر أن أحصل على حصتي من الجبن واللبن الذي تقوم بتصنيعه الجدة.
تستيقظ أم أحمد قبل طلوع الضوء حتى تحضّر اللبن والجبن المطلوبة منها يومياً قبل أن يصحو أحفادها لتكون متفرغة لحاجاتهم وطلباتهم، قوة غريبة وصلابة تسكن عيناها بالإضافة للحنان الذي يختزن في صوتها القادر على احتواء كل ظلم العالم، ونحن نحتسي القهوة على موقدة صنعتها من الطين والحجارة.
كان ذلك منذ ثلاث سنوات حيث حولت تلك الطائرة المجرمة المجنونة كل شيء إلى دمار، أصوات الصراخ وصلت إلى السماء وأنا لا أستطيع الحركة بسبب تساقط أثاث منزلنا فوقنا أنا وأحمد.
بعد ساعة جاء من يساعدنا ليخرجنا من تحت الركام، بيت أحمد هدم بالكامل وأصوات أحفادي عائشة ومحمد وسعد جعلني أدرك قبل أن أصل أن ولدي وزوجته قد فارقاً الحياة.
حاولتُ بكل قوتي ومن كان من أشخاص معي إبعادهم عن المكان كي لا يشاهدوا الأشلاء الممزقة، رحلوا وتركوا لي ثلاثة أحفاد أحتضنهم إلى صدري فهم جزء من أحمد وجزء من روحي.
عدتُ مسرعة لأتفقد أبو أحمد ولكن سبقني صوت أبي أسعد وهو يقول كان الله في عونها لقد فقدت زوجها وابنها في يوم واحد.
أيام قاسية وصعبة، يجب أن أكون قوية، فأنا أمام تحديات كبيرة قررت النزوح إلى الحدود التركية وبدأت أشعر أني في عمر العشرين وأن أحمد ما زال صغيراً ويجب علي أن أهتم بدراسته. محمد وسعد وعائشة روح أحمد تسكنهم، استطعت أن أجد عملاً مناسباً ضمن المنزل، بدأت بتصنيع اللبن والجبن، أستيقظ كل صباح لأنجز عملي كي أتمكن من الاهتمام بشؤون الأطفال ودراستهم باقي النهار، أحمدُ الله أنهم من المتفوقين، لن نتوقف عند أي ألم أو أي مصاب، المستقبل قادم وسيعودون إلى البلد يوماً ما وهم متعلمون وقادرون على إيجاد فرصة ومكان لهم.
يقول لي محمد الصغير في كل يوم: سوف أعود وأبني منزلاً وأزرع شجرة ليمون كما كان يفعل والدي.
كل منهم لديه أحلامه أنا المؤتمنة عليهم إلا أن يصلوا إليها.
كان حديثاً موجعاً مع الجدة أم أحمد وهي تتكلم عن أحفادها وجيلهم متأكدة من أنهم سيبنون البلد من جديد هناك أمانة تركها من رحلوا يجب علينا أن نؤديها
زيتون – وضحة عثمان