المحامي عبد الناصر حوشان
أخير قررت جبهة النصرة فك إرتباطها التنظيمي عن تنظيم القاعدة , وجاءت هذه الخطوة بعد مناشدات من الثوار السوريين ومن اطياف المعارضة جميعها كون هذا الارتباط على حدِّ زعمهم اضر بالثورة السورية حيث استعدى عليها كل العالم المتحالف في حرب مفتوحة ضد الارهاب وقد افرز هذا القرار ردات فعل متعددة .
-الحاضنة الشعبية في سورية تعلم بأن غالبية عناصر النصرة وقيادتها هم من الشباب السوريين . وتقر بشجاعة مقاتليها وتضحياتهم وبطولاتهم في المعارك ضد النظام و انهم رأس الحربة في اي معركة كبيرة ضده وان المعارك الكبرى تشهد لهم بذلك وقد رحبت بالقرار و طالبت الفصائل بالتوحد بعد سحب الذريعه التي كانت تعيق توحدهم .
موقع النصرة بين الفصائل الاسلامية:
تنظر الفصائل الاسـلامية العاملة على الساحة الشامية للنصرة على انها فصيل تنظر جهادي له مكانته الخاصة و احترامه بينها بدليل مشـــــــاركته في كل المعارك وخير مثال لذلك تحالفها مع فصائل جيش الفـــــتح والذي حقق نتائج ممتازة على صعيد الثورة السورية تمثلت بتحرير محافظة ادلب وكذلك المعارك البطولــــــــية التي يخوضها في حلب بعضها رحب بالقرار و بعضها لم يبدِ اي رأي .
موقع النصرة بين فصائل الجيش الحر :
انقسمت فصائل الجيش الحر حول النصرة الى ثلاث فئات :
الاولى عدائية : وتمثلت ببعض الفصائل التي خاضت معها معارك عسكرية وهي جزء من فصائل التي مولتها امريكا مثل جبهة ثوار سورية وحركة حزم ثم بعض فصائل غرفة الموك كما حصل في حوران وفي الشمال وما زالت تتبنى هذا النهج .
الثانية معتدلة : التي تراى عدم وجوب قتـــــــالها وبالتالي امتنعت عنه واخذت موقفا محايداً وهي اغلبية فصائل الجيش الحر .
الثالثة مدافعه : وهي التي دافعت عن النصرة وحرّمت قتــــــــالها وهي الكتائب التي انشقت عن الفئة الاولى ممن ارتضت المواجهة العـــسكرية معها و إن هذه الفئة لم تكتفِ بالانشقاق بل ذهبت الى مبايعة جبهة النصرة منها كتائب من حركة حزم و جبهة ثوار سورية .
موقع النصرة لدى المعارضة : كل اطياف المعارضة السورية موقفاً عدائيا من جبهة النصرة وساهمت في تصنيفها ضمن المنظمات الارهابية منذ بدايتها وقد نجحت بذلك وكانت تهدف من وراء ذلك الى :
– إثبات اعتدالهم امام الغرب من خلال تبنيهم العلمانية والديموقراطية والتعـــددية كأسس لنظام الحكم في سورية الجديده و إظهار مشروع الاسلام السياسي بانه مشروع معادي للديموقراطية
– القضاء على جبهة النصرة كونها إحدى القوى التي تعيق او تطيح بمشاريعهم السياسية الهادفة للوصول الى السلطة في سورية بعد اسقاط النظام .
– الدخول في منتدى الحرب على الارهاب للحصول على الدعم الســياسي والعسكري الذي يمكنها من بناء ميليشيات عسكرية تكون ذراعها العسكري للوصول او حمايتها في صراعها مع الاخرين للوصول الى السلطة .
الموقف الامريكي والغربي : الموقف الامريكي والغربي واضح اتجاه النصرة او جميع الفصائل الجهادية الاسلامية حيث يرفض اي مشروع للاسلام السياسي في المنطقة ســــــــــواء كان معـتدلا او متشددا . مع الاخذ بعين الاعتبار الصراع التاريخي بينها وبين تنظيم القاعـــــدة و تنظيم الدولة الاسلامية في العراق من ايام حرب افغانستان والعراق وما انتج من عداوة مســـــــــــتحكمة بينهم البقاء فيها للاقوى .
موقف روسيا وايران والنظام : موقف هذا الحلف موقفا عدائيا وكان ابرع من اســــــــتغل هذا الصـــــــراع حيث استغلته روسيا بهدف القضاء على بقايا المجاهدين الشــــــــيشان والقضاء على حركة الاخـــــوان المســــــــلمين في ســــــــورية على اعتبار انها احد التنظيمات التي تعوِّل عليها امريكا و الغرب في مرحلة ما بعد سقوط بشار الاسد مما قد يطيح بمصالحها في المنطقة مع الاخذ بعين الاعتبار موقف روسيا من الحركة على خلفية احداث الثمانينات في ســـورية ومقتل عدد من خـــبرائِها اثنائها على يد التنظيم وكذلك إيران و النظام يهدفان لضرب اي تنظيم جهادي سنّي في المنطقة يهدد مشــروع تصدير الثورة الايرانية .
الاسباب الحقيقية للخلاف بين النصرة والفصائل الاســــــلامية المقاتلة في ســورية من جهة وبين المعارضة من جهة اخرى تكمن في ما يلي :
– علم الثورة : ترى المعارضة السورية انها هي صاحبة الحق التاريخي في قيادة سورية والتي تتألف من تحالف قوى ( الديموقراطيين _ الشــــــيوعيين – العلمانيين – حركة الاخوان المسلمين – المجــلس الوطني الكردي – البعثيين المنشقين عن النظام ) اجمع هؤلاء ان الراية الوحيدة التي من الممكن ان تجمعهم هي الرايــــــة الوطنية التي رفعت اثناء الاستقلال و ذلك لتجنب اي مواجهة حول المشــــــروع الوطني المتمثل بحماية حقوق الاقليات وديموقراطية وعلمانية الدولة وتعدديتها مع اي توجه اسلامي للثورة فتم اعتماد هذه الراية واعتبارها من ابرز مقدسات الثــورة وقد دعم هذا التوجه اغلب حلفائهم من الدول الغربية بينما ترى الفصائل الاســــلامية بأن هذه الراية لا قيمة لها في مشروعها السياسي القائم على اسلامية الدولة والذي يبدأ من راية الاســـــــلام و ما يتفرع عنها من اصول وفروع .
– الديموقراطية : إن المفهوم الغربي للديموقراطية التي تبنته المعارضة الســــــورية القائم على مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه يتعارض مع ايديولوجيا مع مشــــروع الدولة الاسلامية التي تطمح لإقامتها كل الحركات الاســـــــــلامية معتدلها ومتشددها والذي ترى ان الديموقراطية تتعارض مع مبدأ ( إن الحكم لله ) في الدولة الاســــــــلامية بينما تدعو الديموقراطية الى ( حكم الشعب ) و ما سينتج من خلافات حول تفرعات هذين المفهومين مما دعى الحركات الاســـــــلامية الى اعتبار ان الديموقراطية كفر باعتبار ان الديموقراطية ستؤدي الى العلمانـــية والعلمـــانية ستؤدي الى تعطيل الشريعة وهذا الامر سبباً كافيا لاعلان الحرب العالمية على اي حركة او تنظيم يدعو الى ذلك .
– العلمانية : العلمانية بمفهومها الغربي يمكن اختصاره بأنه إبعاد الدين عن السياسة والحكم اي لا دينية الدولة وهذا يعني في إقصاء اي مشروع للاسلام الســـياسي في البلاد العربية والاسلامية وحرمان اي حزب او حركة إســــلامية من المشــــاركة السياسية في حكم البلاد ومن نتائج هذا المفهوم إلغاء اي صفة اســـــــــــلامية لدستور البلاد او قوانينها الامر الذي ســـيؤدي الى سيطرة القوانين الوضعية على المجتمع الامر الذي سيؤدي الى تفكك المجتمعات الاســـــــلامية مما دعا الحركات الاسلامية الى تحريم الدعوة للعلمانية واعتبار( العلمانية شرك ) مشـــــــــاركة المخلوق التشريع مع الخالق .
– تحكيم الشريعه : تدّعي الفصائل الاســـــــــــــــلامية على اختلافها بأنها حاملة ( مشروع أمة ) ومشروع الامة يعني تحكيم الشريعة الاســــلامية في مجتماعتنا العربية والاسلامية وبالتالي يجب ان يكون الحاكم مســــــلماُ وان الشريعة هي دستور البلد و ان تكون الاحكام الشرعية هي القانون الناظم للمجتمعات بما فيها احكام الحدود – والميراث – وغيرها من الاحــــــــكام والتي يرى دعاة الحرية والديموقراطية والعلمانية ان هذه الاحكام ضد الديموقراطية والعلمانية وتقيِّد حرية المجتمع .
– التعددية : التعددية في النظم الديموقراطية تعني ان المواطـــــــنة هي مناط الحقوق والواجبات وان للجميع الحق في تولي مناصب الدولة ســــــــــــواء التنفيذية او التشريعية او القضائية وهذا يتعارض مع مفهوم الاسلام السياسي للحكم الذي يقوم على ان الحاكمية للشريع اي للاسلام والذي يؤدي الى عدم جواز تولي غير المسلمين امر المسلمين و لاسيما في الســـــــلطتين التشــــــريعية والقضائية او المناصب العليا في الدولة و حصر حقوقهم في تولي وظائف معينة .
–الاعتراف بالائتلاف الوطني : يطالب الائتلاف الوطني من جميع الفصائل الاسلامية الاعتراف به بأنه الممثل الشرعي و الوحيد للثورة السورية وهذا يتعارض مع توجهات الفصائل الاسلامية التي ترى ان الثورة ليست حكراً على احد ولن يعترفوا به ممثلا وحيدا لها . أن المعارضة السياسية تفرض شروطها بناء على اعتراف اصدقاء سوية بها , بينما الفصائل الاسلامية وتعتبر ان شرعيتها من فرضية الجهاد .
– النتيجة : لقبول توبة النصرة والفصائل الاسلايمية من قبل العالم و المعارضة السورية يجب عليها القبول بما يلي :
– الاقراربأن علم الثورة السورية التي اعتمدته المعارضة العلمانية هو الراية الوحيدة والتخلي عن راية الجهاد و التوحيد راية لا إله إلا الله محمد رسول الله .
-الاعتراف بالديموقراطية بأنها نظام الحكم الوحيد وان من يعتقد ذلك فهو مؤمن ومن يكفربها فهو من الخوارج و التنازل عن فكرة إقامة نظام الحكم الاسلامي و إلغاء مفهوم الشـــورى من خطابهم السياسي .
– الاعتراف بالعلمانية أنها النهج الصحيح لتطبيق الديموقراطية .
– الاعتراف بأن الشعب هو مصدر التشريع و إلغاء فكرة تطبيق الشريعة الاسلامية و القبول بما تقره البرلمانات التي هي التعبير الحقيقي عن الديموقراطية حتى لو تعارض مع الشريعه والاقرار بأن العلمانية فضيلة .
– الاعتراف بالتعددية السياسية و أن المواطنة هي مصدر الحقوق والواجبات و إلغاء مبدأ حاكمية الشريعة .
– سلاح الفصائل الاسلامية: تطالب المعارضة السورية دائما بشروط وكأنها شروط المنتصر وهي ان تتعهد الفصائل الاسلامية بتسليم سلاحها بعد سقوط النظام للحكومة الجيدة باعتبارها (هي من ستحكم ) البلد بعد اسقاط النظام بدعم القوى الديموقراطية والغربية وهذا من المستحيل لان حجتهم من يحرر هو من سيقرر شكل الحكم و من سيحكم .
لذلك أنه ومن خلال تعارض المشروعين في اهم القضايا المصيرية نجد ان الامور لابد انها تتجه الى المواجهة الحتمية و ان الصراع بينهما سيكون دمويا .
– وفي هذا المقام تحضرني قصة رجل من ابناء المحافظات السورية احب ان يصبح مختارا على ابناء قريته كونه كان رجل محترم بين ابنائها ومشهود له بالتُقى و الخلق الحسن و بياض الكف و نقاء السريرة فنصحه احدهم ان يذهب الى احد ذوي النفوذ في المحافظة حتى يدعمه في تحقيق حلمه , وفعلا اخذه الى صاحب النفوذ وزكّاه لديه ووعده خيراً و سأله فيما إذا كان بعثياُ ام لا ؟ لانها من الشروط الاساسية لتولي اي وظيفة الحكومية ولم يكن الرجل بعثياً ,فطلب منه ان يتقدم بطلب انتساب للحزب عن طريق الفرقة الحزبية في قريته , وفعلا في اليوم التالي تقدم الرجل بطلب الانتساب وبعد ايام عاد ليسأل عن النتيجة فقال له ان طلبه رُفِضَ ولم يعلموه عن السبب فقرر العودة الى صاحبه ذوو النفوذ ليخبره بالموضوع وبعد اجراء اتصالاته قال له ان سبب رفض طلبك وجود تقرير بأنك رجل متدّين و هذا يتعارض مع فكر الحزب ونصحه بتغيير سلوكه بان يترك الصلاة و مظاهر التقى وفعلا استجاب الرجل لنصيحة صديقه وتقدم بعد فترة بطلب جديد ولكنه ايضا فوجيء بالرفض وعاد الى صاحبه ليتبين ان سبب الرفض تقرير آخر ان زوجته محتشمة و تلبس الخمار والجبّة و هذا لا يليق بالبعثي فنصحه صاحبه ان تماشي زوجته ( الموضه ) بأن تخلع الخمار وتلبس القصير و تلف شعرها وما الى ذلك من مظاهر الرقي و بالفعل استجاب الرجل و انقلبت زوجته الى ملكة جمال لما رآها صاحبه اصابه الذهول فقال لزوجها ما رأيك ان نقوم بدعوة قيادة فرع الحزب الى منزلك و نعد لهم وليمة ونضع الخمور وما لذَّ وطاب من الطعام وانا ضامن لك ( عضوية حزب البعث ) ومن ثم المخترة فوافق الرجل وبالفعل حضرت قيادة الفرع بكامل اعضائها مع صديقهم ووضع الطعام و صدحت الحان اغاني علي الديك و بدأ ضرب الطاس والكاس وتمايلت خصور زوجة الرجل وبناته رقصا وطربا ونشوة وفي قمة هذا الانبساط الآن ثبت انه تاب و أناب واصبح بعثياً. وقام الحاضرين بواجب لتهنئة له لنيله شــــــرف العضوية في حزب البعث واثناء التهنئة همس صاحب المختار في أذنه اتوقع لك مســـــتقبلا باهرا في القريب العاجل وفعلا خلال خمس سنوات وصل المختار الى عضويةً القيادة القطرية لحزب البعث .
وهذا ما يجري ويحاك للفصائل الاســـلامية فالموت لمن لم يّتُبْ وينيب ويصبح ديموقراطياً ومن يطالب الاسلاميين بالتخلي عن مشروعهم والتحول الى مشروع الدولة المدنية الغربية كمن يدعو الفضيلة بطلب التوبة من فضيلتها و طلب المغفرة من الرذيلة او كمن يدعوا القديــــــسين للتوبة للشيطان .
الحل لهذه المعضلة الاجتماع على مشروع واحد وهو اسقاط النظام اولا وتأجيل كل المشاريع السياسية والايديولوجية الى ما بعد سقوطه و استقرار البلد ثم تفتح الساحة السياسية للجميع بدون إقصاء امام المجتمع السوري ليأخذ قراره بإختيار شكل نظام الحكم الذي يراه يليق بثورته وتضحياته .
المحامي
عبد الناصر حوشان