بقلم: الدكتور فراس عبدو الديري
كلما يقترب الغرب و بالتحديد أمريكا و ايران من توقيع اتفاقية الرقابه و الحظر النووي للبرنامج الإيراني كلما يزداد الحديث عن محور جديد و حلف أمريكي إيراني..وهذا دليل على سوء فهم للسياسه و الاستراتيجيه الامريكيه..! طبعا الاتفاق المرتقب توقيعه قريباً تحصل من خلاله ايران عن رفع الحظر و الحصار الاقتصادي المفروض عليها من دول الغرب منذ ثلاثون عاما مقابل إيقاف و رقابه البرنامج و التخصيب لمده ١٠ سنوات. خلال تلك الفتره من الحصار استمرت ايران في بناء علاقات دوليه خارج إطار المعسكر الغربي دعمت من خلالها اقتصادها و أسندته و استطاعت اعادة بناء قواتها المسلحه بشكل او باخر و لكن بما يكفي ولو بشكل محدود لتهديد دول الجوار وردع أية عدوان محتل حتى لو كانت نتيجته بالنهايه وخيمه على ايران و المنطقه. أن القوات المسلحه الايرانيه لا تستطيع هزيمة قوات لتحالف قد تقوده أمريكا إن قررت ذلك بالرغم من المبالغه بقدرات ايران العسكريه. كان لبناء قواتها المسلحه بدعم من دول خارج الدول الملتزمة بالحصار ضمنا دور اكبر في أضعاف الاقتصاد الإيراني على حساب تعزيز قوة الردع اذا احتاجت ايران ان تغرق ما حولها بدوامة الدمار المشترك تحت نظرية “عليّ و على اعدائي”. و خلال هذه الفتره التي التهى و انتهى الغرب و أمريكا في صراعاتها في أفغانستان و طموحاتها الاستراتيجيه في العراق تحديدا و منطقه الخليج العربي استطاعت ايران ان تحول مشروعها النووي الى حقيقه على ارض الواقع محلقة به تحت الرادارات الغافيه بل الغارقة في مشاريع و طموحات إمبريالية في المنطقة العربيه منذ احتلال العراق و ما تلاه من تداعيات ما سمي” بالربيع العربي” و عندما التفت الغرب بعد حين ليواجه الواقع المر بحقيقة إمكانية ايران ان تصبح قوة نوويه كانت ايران قد تمددت ايضا وصدرت فكر الثوره الاسلاميه في المنطقة لتخرج بقواتها خارج حدودها الدوليه ويتجرأ قادتها لدرجة انهم يعلنون ان بغداد هي عاصمتهم و انهم يطلون على البحر الأبيض و يحكمون سيطرتهم على مضيقي باب المندب و هرمز. انه لمن المضحك ان يتخيل البعض أن يصبح هناك حليف للغرب في المنطقة متمثلا بالجمهورية الاسلاميه الايرانيه و لعدت أسباب أهمها و بدون شك السياسية و الاستراتيجيه الامريكيه قبل كل شي تعنى بالمصالح الامريكيه العليا سياسية كانت او أمنيه او اقتصاديه او عسكريه . و بالتالي فأن توقيع اتفاقية إيقاف و مراقبة البرنامج النووي الإيراني يَصْب اولا و آخراً في تلك المصالح. اضافة الى ذلك يضمن تأجيل أية اصطدام عسكري ممكن ان يقود الى المساس بالمصالح الامريكيه العليا بما في ذلك الحفاظ على أمن الحليف الاسرائيلي . وفي مرحلة مابعد وخلال سنوات ١٠ قادمه سوف يعمل الأمريكان على التجهيز لتأجيج الصراع القومي في ايران في خطوه تسبق اسقاط نظام الملالي الفارسي الشعوبي من خلال زعزعة الوضع الداخلي حتى يصل الى تقسيم ايران الى عدة دويلات اثنيه و قوميه في مرحله لن تتجاوز بضع عقود من الزمن او اقل من ذلك. إنه ليس من مصلحة أمريكا و حليفتها اسرائيل و لا الانظمه العربيه في الخليج وحتى في مصر و الاْردن و لبنان أن يتمدد التسلط الفارسي في المنطقة و لأسباب لا تخفى عن من يدرك تركيبة المنطقة من جهه و الخلاف العربي- الفارسي من جهه اخرى. هذا ناهيك عن ما نعرفه من موقف الأتراك الرافض لاي تمدد إيراني على حسابهم . و من هنا فإن كل اللاعبيين الفعليين في المنطقة بل و العالم لن و لا يرغبوب في هيمنة ايرانيه في المنطقة و تمكنها من ان تصبح قوة اقليميه تتلاعب بمقدرات و توازنات وتقاطع المصالح الدوليه و الاقليميه. إن من اهم الادعاءات الفكرية للثوره الاسلاميه و التي أدت الى التغرير خدعة بالبعض بأنها تقف في وجهه الشيطان الكبر و تعادي إسرائيل و تدعم المقاومه و الردع. و اذا ما سحب من تحتها هذا البساط الكاذب بفرضية دخولها كحليف لاعداء الثوره الاسلاميه فإنها تكون قد جنحت عن نهجها الأساسي وسوف تفقد مصداقيتها عندما تتخلى عن من جندتهم لخدمة هذه الأهداف. و من هنا فإن حكام طهران لن يستطيعوا التخلي عن من أوصلهم الى مياه البحر الأبيض و المضيقين و يهدر بذلك تخطيط عقود و احلام قرون بإعادة امجاد دولة فارس. هذا و أن الاستراتيجيه بل الشخصيه الامريكيه بطبيعتها لا تنسى و لا تتغاضى عن أعداء الماضي و تنتظر الوقت المناسب لتوجيه الضربه الفنيه القاضيه ما يعرف بالمصطلح الامريكي بال “knock out”. إن الاتفاقيه المنتظر أبرامها و توثيقها في مجلس الأمن تصب في مصلحة كل الأطراف في الوقت الحالي. فلا ايران تريد المواجهه و تشديد العقوبات و الحصار خاصة بعد أن تمددت في المنطقه كالسرطان و تريد ان تستفيد من هذا الوقت لتعزيز مكانتها فيما وصلت اليه من “إنجازات” خارج حدودها. أما الأمريكان فسوف يستطيعون ضمان أمن اسرائيل و منابع النفط و الممرات البحريه عبر شراء ١٠ سنوات تضمن لهم مده جديده يأملون فيها من انهيار النظام الإيراني يتلوه بعده صراع داخلي ينجم عنه تفكيك ايران الى عدة دويلات. أضف الى ذلك سوف تفسح المجال لامريكا و غيرها من الدول الغربيه لإكمال عمليه افتراس المنطقه و خصوصا العراق و ثرواته و استثماراته سواء كان موحدا أو بعد ترتيب وضعه و وضع المنطقه الجغرافي و السياسي بما يضمن لهم ابتلاع ما يمكن ابتلاعه من تلك الفريسه الدسمه لعقود طويله. إن الغرب يعلم بأن ايران ليست منيعه من “ربيع” قادم لامحال و سيعمل بكل الامكانات للوصول الى أهدافه في نهاية المطاف بمداعبة احلام الملالي و تطلعاتهم ليوم تستطيع فيه تقديم الطعنه أو اللدغه القاتلة كما حصل في قصة العقرب و السلحفاة الذي لدغها بعد ان عبرت به الى الضفه الثانيه من النهر فما كان منه الا ان يعود الى اصله. إن الاستراتيجيه الامريكيه في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من تفاهة إدارة اوباما هي استراتيجية طويلة النفس و ما تمر به الان من خلال اتفاقية محتمله مع ايران ماهي الا مرحله قصيرة و “حتعدي” كما يقول الاخوه المصريون من مراثون طويل المدى هدفه الاول و الأخير استمرار العهد التاريخي لأعظم دوله عرفها التاريخ لا زالت في أوج عظمتها. ١٥ آذار ٢٠١٥