تفاعلات واسعة شهدها الوسطان الرسمي والشعبي في إيران على مدار أسبوع كامل مع الإعلان الروسي عن توجيه ضربات داخل سوريا انطلاقا من قاعدة “همدان”، شمال غربي إيران.
ورغم إعلان طهران، أمس، أن استخدام موسكو لقاعدة “همدان” توقف دون أن تغلق الباب أمام إمكانية العودة الروسية لها مجددا، لا زال التفاعل مع خبر استخدام موسكو للقاعدة ساريا داخل البرلمان الإيراني، وسط تشكيك أمريكي في صحة الإعلان الإيراني عن توقف روسيا عن استخدام القاعدة.
وفي إيران، تباعدت المواقف؛ بين موقف رسمي مؤيد لخطوة استخدام روسيا لقاعدة همدان، وآخر مُعارض لها لا سيما من أعضاء البرلمان، ومن الفريق الرسمي من انتقد فقط “الإعلان الروسي” دون رفض الفعل كما جاء في تصريحات لوزير الدفاع، حسين دهقان.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد في سوريا، الثلاثاء الماضي، أن طائرات تابعة لها قصفت أهدافاً في مدن سورية، عقب إقلاعها من قاعدة همدان الجوية في إيران، وهذه هي المرة الأولى التي تفتح فيها طهران قواعدها العسكرية لدولة أجنبية منذ الثورة الإسلامية التي شهدتها في 1979.
واعتبر محللون أن سماح إيران بإقلاع طائرات حربية روسية من أراضيها لتفجير أهداف في سوريا، خطوة غير مسبوقة؛ ما يؤكد على تعميق التعاون بين القوتين المشاركتين في الحرب السورية.
وقوبلت هذه الخطوة بترحيب على المستوى الرسمي في إيران، وذلك على لسان أمين المجلس الأعلى لأمنها القومي، علي شمخاني، الذي قال، الأربعاء الماضي، إن “تعاون بلاده مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب استراتيجي”، مؤكدًا أن “طهران تتقاسم مع موسكو قدراتها العسكرية”.
كما أشاد رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، بالتعاون الإيراني الروسي، قائلا: “روسيا حليفنا في القضايا الإقليمية، وخاصة السورية (..) لدينا تعاون جيد معها، أقولها بصوت عال وصريح”.
وهي الإشادة التي جاءت على غير موقف بعض النواب في مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني الذي أعلنوا استنكارهم السماح للمقاتلات الروسية باستخدام قاعدة “همدان”، وعدوا ذلك “مخالفة الدستور”، كما طالب 20 عضوا بعقد جلسة للبرلمان للاستماع إلى المسؤولين عن هذه الخطوة.
ونقلت وكالة “فارس” الإيرانية، اليوم الثلاثاء، عن النائب محمود صادقي قوله “لقد قدمنا (للبرلمان) طلبا بتوقيع 20 نائبا لعقد اجتماع للاستماع إلى توضيحات المسؤولين المعنيين حول الأسباب التي استوجبت أن نضع قاعدة عسكرية لنا (همدان) تحت تصرف إحدى القوى الكبرى”.
وأضاف صادقي أن “ذلك من أجل أن نطَلع نحن النواب على الضرورات، ومن أجل المزيد من التنسيق وتضافر الجهود والتضامن بين السلطات”.
وأشار إلى أنه “على الرغم من إعلان توقف تحليق الطائرات الروسية من الأراضي الإيرانية (أمس الإثنين)؛ فما زال طلبنا قائما ونطلب عقد اجتماع مغلق في هذا الصدد أخذا بالاعتبار تصريحات وزير الخارجية (محمد جواد ظريف) الذي قال إنه من المحتمل أن تقتضي الضرورة استئناف التحليق”.
ورغم مصفوفة المواقف الرسمية التي أبدت تأييدها لاستخدام روسيا لقاعدة همدان، إلا بعض الشقوق في الموقف الرسمي تبدو جلية في تصريحات وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، الذي انتقد الإعلان الروسي عن استخدام مقاتلاتها للقاعدة الإيرانية، ووصف ذلك بأنه فعل “استعراضي” وينم عن “عدم لباقة”.
وقال دهقان خلال مقابلة، أول أمس الأحد ،مع القناة الثانية في التلفزيون الإيراني: “كان ينبغي أن يبقى موضوع استخدام القاعدة سريا، لكن موسكو لم تلتزم بذلك”.
ونفى الوزير الإيراني قيام بلاده بتخصيص قواعد عسكرية لروسيا داخل البلاد، موضحا أن القوات الروسية ستستخدم قاعدة همدان لفترة محدودة تتشكل بتغير الأوضاع في سوريا.
وفي محاولة على يبدو لغلق الباب أمام حالة الجدل التي أحدثها الإعلان الروسي عن استخدام قاعدة همدان، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، بهرام قاسمي، في تصريحات صحفية، أمس، انتهاء مدة استخدام الطائرات الروسية لقاعدة همدان الجوية “في الوقت الراهن”.
وأضاف: “لا يملك الروس هنا قاعدة جوية، ولم ينشروا قواتهم هنا، إن ما جرى كان بإذن من إيران ولفترة مؤقتة”.
وعلى الجانب الروسي، وتناغما مع تصريحات قاسمي، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كاناشينكوف، أمس، عودة طائرات بلاده المتمركزة في قاعدة همدان بعد “اتمامها مهمتها”.
وأضاف كاناشينكوف في تصريح للصحفيين في موسكو: “في هذه اللحظة تم إعادة كافة الطائرات التي تستخدم تلك القاعدة (همدان) إلى روسيا”، مشيرًا إلى أن استخدام روسيا لقاعدة همدان في المستقبل مرتبط بتطورات الوضع في سوريا، والاتفاقات المتبادلة مع إيران.
إلا أن تصريحات جديدة صادرة اليوم الثلاثاء أضفت نوع من الغموض حول انسحاب تلك المقاتلات، حيث أعلن رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، إن روسيا تواصل استخدام قاعدة “همدان” الجوية، غربي البلاد.
وقال في كلمة ألقاها أمام البرلمان إن المقاتلات الروسية كانت تستخدم “همدان” كقاعدة للتزود بالوقود، مضيفًا “وهذا لم يتوقف”، حسب ما نقلت عنه وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية.
وتأتي تصريحات لاريجاني متناسقة مع تصريحات سابقة لرئيس لجنة السياسات الخارجية والأمن القومي في البرلمان، علاء الدين بروجردي، الذي قال إن سبب تواجد الطائرات الروسية في قاعدة همدان هو التزود بالوقود فقط، وذلك وفقا لقرار “المجلس الأعلى للأمن القومي” الإيراني.
وأمس، شككت الولايات المتحدة في إعلان انسحاب المقاتلات الروسية من قاعدة “همدان” وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في واشنطن، مارك تونر، في إفادة صحفية إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب التعاون بين روسيا وإيران وإنه “ليس واضحا بالنسبة لنا، عدا ما شاهدناه في تقارير الصحف والتصريحات العلنية، إن كان استخدامهم (الروس) لهذه القاعدة الجوية قد توقف نهائيا، لكننا سنستمر في مراقبة الوضع”.
الأناضول