تدفع موسكو الرئيس السوري بشار الاسد إلى القبول بخطة تقضي بتقاسم محدود للسلطة يعطي خصومه دوراً في ادارة انتقالية مع ضمان انتخابات معترف بها دولياً يمكن اجراؤها السنة المقبلة. وليس الاعلان المفاجئ في سوريا عن استعداد الاسد لمثل هذه الانتخابات الا استجابة لطلب موسكو.
الانتخابات المبكرة ليست تقليداً جديداً للكرملين الذي غالباً ما يلجأ اليه لاعادة تعيين بعض حكام الاقاليم. أما في وضع سوريا فهي تهدف الى أمر من اثنين، إما تجديد التفويض للرئيس الذي لا تزال تعتبره شرعياً، وإما لتسهيل خروجه.
نظرياً، لا شيء يمنع اجراء انتخابات في بلد مدمّر تتقاتل فيه دول العالم بالواسطة، وتتحارب على أرضه تنظيمات برؤوس متشعبة وبلا رؤوس أحيانا، ثم اعلان الفائز رئيسا شرعياً.لكنّ هذه الخطوة لن تقدم أو تؤخر في مأساة مستمرة منذ أكثر من اربع سنوات ونصف سنة.
هذا من حيث ظروف الانتخابات. أما شكلها فليس أقل تعقيدا. فاذا دعمت موسكو مشاركة الاسد تكون قد تخلت عن التزامها المفترض المساعدة في تأليف حكومة انتقالية لتسهيل رحيله.
في هذه الحال، سترفض المعارضة السورية ومعها الدول العربية الداعمة لها وربما الغرب، الاعتراف بنتائج الانتخابات، وستدخل الحرب المستمرة جولات جديدة من العنف والدمار.
يدرك بوتين أن خطته لايجاد واقع جديد في سوريا بتحويل الحرب الاهلية الى عملية لمكافحة الارهاب، تحتاج الى تعاون من أميركا والسعودية وتركيا التي تدعم المعارضة. لذا قد تخطط موسكو لاجراء انتخابات لتسهيل خروج الاسد، فتضمن عدم ترشحه شخصياً مع السماح بترشح أحد المقربين منه، على أن تنظم انتخابات نيابية تقر لاحقاً اصلاحات دستورية تمهد لتعيين رئيس وزراء سني قوي الصلاحيات.
قد يراهن بوتين على سيناريو كهذا ليخرج تعزيزاته من سوريا قبل أن تتعقد الامور أكثر فيخسر ما حققه حتى الان.
الا أن خطة جريئة كهذه تبدو بعيدة من الواقع في النزاع السوري. والعمل على تقسيم المعارضين للأسد وتصنيف كل من لا يدعم الخطة الروسية في خانة الاهاربيين، لا يحل محل جهود حقيقية للمصالحة الوطنية وضمان حماية الاقليات.
المرة الاخيرة التي شهد فيها العالم سيناريو مماثلاً، وإن على خلفية أكثر سلمية، لم تكن مشجعة. ففي 21 شباط 2014 وقع رجل موسكو السابق فيكتور يانوكوفيتش اتفاقا مع المعارضة لاجراء انتخابات مبكرة في أوكرانيا ليضطر في اليوم التالي الى الفرار من كييف قبل أن يخلعه البرلمان. ومذذاك تفاقمت الاضرابات في البلاد وتحولت حربا ضارية في الشرق تخللها غزو روسي وضم موسكو شبه جزيرة القرم.
المستقبل