بقلم نهى شعبان
بطلة قصتي اليوم تدعى سلوى .. طبعا” هذا ليس اسمها الحقيقي بناء على طلبها, هي اختارت هذا الإسم, وأحترم رغبتها في الحفاظ على خصوصيتها ,في مجتمع محافظ , ينظر أغلبه للفتيات المغتصبات نظرة شك, وتأنيب , ويحكمون عليها مسبقا” وبأنها كان يجب أن تقتل نفسها ولا تدع أحدا” يلمسها .. ولكنها الحرب يا أصدقائي .. الحرب التي استباح فيها نظام الأسد وأعوانه في سوريا وخارجها شتى أنواع الأسلحة القذرة والمحرمه دوليا” ليقضي على شعب طالب بالحريه بعد خمسين عاما”عاشها في الظلام … نعم إنها الحرب…. و الإغتصاب أحد أقذر أسلحة هذه الحرب.. الكثير من نساء سوريا بتن يعرفن معنى هذه الكلمة التي بدأ نظام الأسد وحاشيته من شبيحة وجيش باستعماله منذ بدايات الثوره, لأنه يعرف ماذا تعني كلمة” شرف” وكلمة “اغتصاب” في مجتمع محافظ سلوى عاشت هذه التجربه .. تعيش يوميا” ذكريات هذا اليوم البغيض والذي يطاردها في حياتها اليوميه وحتى في أحلامها . وفي علاقتها مع المجتمع المحيط بها .. وحتى بعلاقتها مع والديها وأخوتها البنات التقيت بوالدتها في أحد المخيمات بالصدفه كنت اقف عند بائع خضار في المخيم واتحدث معه .. لفتتني لهجتها وسألتها هل انت حمصيه؟؟؟ : ابتسمت ابتسامة باردة وقالت : من كرم الزيتون : بدأنا نتحدث قليلا” عن مجزرة كرم الزيتون الشهيره والتي راح ضحيتها الكثير وعن تاريخ قدومهم الى المخيم .. وانجذبت لها, شدني الحزن في كلماتها, وفي نظرة عينيها الدامعتين .. ويبدو انها ارتاحت لي, فدعتني الى كوب من الشاي في كرافانتها بالمخيم وفي الطريق حدثتني عن ابنتها ,ودفعتني للتحاور معها فربما أستطيع مساعدتها في الخروج من عزلتها او التخفيف عنها ..او ايصال رسالتها الى العالم سلوى بطلة قصتي اليوم هي فتاة بسيطة تبلغ من العمر 20 عاما” من كرم الزيتون في حمص , كانت تعيش في بيت متواضع مع والديها وأخوتها الأربعه وهي أكبرهم طالبه في معهد اعداد مدرسين سنه أولى, وفي أوقات فراغها تساعد والديها في أعمال الزراعه التي كانت مورد رزقهم , تقول : كانت حياتنا سعيده وبسيطه لم نكن اغنياء ولكننا كنا عائلة مكتفيه وتتابع كنا في أول عام من الثوره نبيع قسم من الموسم ,والقسم الآخر كنا نقسمة الى قسمين قسم للمنزل وقسم آخر نوزعه على الجيران الفقراء لكي يستطعوا اعالة أولادهم في ظل الظروف التي تعرضت لها مدينتنا وبات القصف والحصار والمجازر تشتد يوما” بعد يوم تعود الذاكرة بسلوى الى الوراء وتتذكر حادثتها المشؤومه : لقد هربنا من بيتنا بعد بدء الأحداث بسنة تقريبا” وبعد حصول المجزرة التي سمع العالم كله بها وصم آذانه عنها .وأخذنا معنا ما نستطيع حملة فقط من ثياب كنا نريد الهرب من القصف, ومن الرعب الذي دب في قلوبنا مما يقوم به افراد النظام من خطف واغتصاب لبنات الحي لتهديد الشباب الناشطين بالمظاهرات, وتسليم أنفسهم .. لذلك قرر والداي الهرب بنا أنا واخوتي الى مكان آمن, لم يكن يعرف ما يخبئه لنا القدر, و أن هذا المكان الذي ظنه بالآمن … سيكون اخر محطه لي في هذه الحياة كإنسانه . لقد أخذوني من الشارع تصوري .!!! وفي وضح النهار أمام أعين الجميع .. توقفت سياره بها مسلحين بلباس مدني أدخلوني الى السياره وبدؤا بكلمات بذيئة كأشكالهم, وبلغة حقيره , اقتادوني الى مكان لا أعرف أين هو عصبوا عيني وتناوبوا على اغتصابي ومن ثم … رموني بنفس المكان الذي أخذوني منه .. بعدها وخلال عشرة أيام تقريبا” خرجنا من حمص لأن أبي لم يستطع تحمل نظرات الحي وكلام الناس .. وخوفه من أن يعود هؤلاء الحثاله للانتقام من بقية العائله تقول سلوى وهي تبكي بصوت عالي : لقد بدأت صحتي بالتدهور بعد أن تعرضت للإغتصاب, أريدالموت لا أريد العيش .. إنني مريضه بكل أمراض العالم وأولها مرض الحقد وحب الانتقام .. نحن هنا منذ عام ونصف في المخيم ولم يتغير بداخلي شيء الكل هنا يعرف… نعم أعتقد انهم يعرفون قصتي, مع أنني لم أدخل بتفاصيلها مع أحد, وأحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الناس .. ولكن أرى ذلك بأعينهم .. حتى والدي المسكين أشفق عليه, فهو أيضا” يحاول قدر الإمكان عدم الإختلاط مع الناس أعرف أنه في قرارة نفسه يتمنى لو أنني مت يوم الحادثه المشؤومه , حتى لا تلاحقه نظرات الناس, وحتى لا يعتبر نفسه مسؤولا عما حصل لي.. أ وربما ليريح ضميره .. إنه يتعامل مع اخواتي البنات بقسوة تصوري حتى المدرسه في المخيم حرمهم منها ..حتى أمي لا تسلم من لسانه أمي المسكينه تحمل اللوم في نفسها أنها انجبت بنات, كانت دائما” تردد المثل الذي أكرهه ( البنت يا بتجيب العار .. يا بتجيب العدو ع الدار ) بت متأكده انني أحمل هاتين الصفتين, ان شفائي مما حصل لي مستحيل ولن أتعافى منه إلا بالموت لقد حاولت الانتحار ولكنني لم أفلح . هناك شابه في المخيم تعمل بقسم شؤون المفوضيه حاولت كثيرا” التواصل معي والتحدث , هي تريد مساعدتي وقالت انها ستقدم لي الدعم النفسي للخروج من عزلتي … بربك اي دعم نفسي كانت تقصد ؟؟ لا أعرف وتعود لتتذكر اليوم المشؤوم تصوري !!! لقد أجبروني على الجلوس عاريه كالدوده مصوبين أسلحتهم فوق رأسي وحين قمت بالصراخ بدأو يضربونني ببنادقهم ولا تزال الندوب واضحه على جسدي لقد عشت ساعات لا يمكن تخيلها ولا أريد تخيلها ليتني أفقد الذاكرة . يقولوا عني مجنونه خير من أن يقولوا مغتصبه لقد سمعت بحالات اختطاف لبنات في منطقتنا بكرم الزيتون واختفت صديقتي لينا في المعهد لا أحد يعرف ماذا حل بها , وسمعت بأزواج قتلوا أمام أعين زوجاتهم, وأطفا ل ذبحت أمام أعين ذوويهم ..وسمعت الكثير عن حالات أغتصاب لفتيات.. ولكن لم أتصور يوما” أن يحصل لي تضيف كانت الدماء تملأ ارض الغرفه التي احتجزوني بها .. لا أعرف كم فتاة تم اغتصابها في هذه الغرفه وماذا حل بهم ؟؟ وهل صديقتي لينا كانت هنا ايضا”؟؟ هذا جزء ضئيل مما أشعر به من ألم, أريد أن يسمع العالم الحقير كل ما أعانيه ولكن بنفس الوقت لا أريد ان يعرف أحدا” بقصتي على الأقل الأن أرجوكي لا تذكري اسمي أو أي تفاصيل شخصيه عن قصتي فقط أخبريهم أن هناك المئات مثلي وهذا ما يعزيني أنني لست الوحيده …تضحك ضحكة ساخرة . سلوى تسمع الكثير عن قصص تشبه حالتهافي المخيم ولكنها لم تتجرأ ان تتحدث لأحد من بنات المخيم عن قصتها : إنها تحمل العالم كله مسؤولية ما حصل لها فلا عقاب اتخذ بحق هؤلاء السفله المسلحين والمغتصبين والقتله بل على العكس هم ما زالوا يتحركون بحريه ويهددوننا ويغتصبون كرامتنا وأرضنا وحقوقنا حتى يومنا هذا ويزداد عددهم يوما” بعد يوم وأصبح مصدر رزق لهم اختطاف البنات وطلب فدية مقابل الإفراج عنهم أريد أن أرسل من خلالك رساله للعالم كله يجب ان نحارب هؤلاء الوحوش العنصريين, يجب أن تنتصر ثورتنا التي قمنا لأجلها ولينال هؤلاء الوحوش عقابهم, وبالمثل…. لم أعد خائفه … ولم تعد تعنيني الحياة … أرى نفسي وكأنني ميته منذ زمن .. لقد انتهت حياتي يوم تم اغتصابي .. مستقبلي انتهى .. والموت لم يعد يرعبني .. ولم اعد أخشى أحد ” كان حلمي ان أكون مدرسة في مدرسة حيينا … اما اليوم .. ربما اقوم بعمليه انتحارية يوما” ما …….. هذه بعض التفاصيل التي سمحت بها بطلة قصتي اعتذر عن المزيد … ولكن اعدكم غدا” بعد الانتصار و حين يفتح ملف المغتصبات ومحاسبة المسؤولين سأنشر قصة سلوى وغيرها من العشرات من اللواتي تعرضن للاغتصاب بالكامل مع الوثائق والدلائل وبالأسماء الحقيقيه .. ليعرف العالم كم شوه اجيالنا لسنوات قادمه .. وكم صدر ما يسميه هو” ارهاب” لنفوس كانت تنعم بالحب و تحلم يالحياة ..