العام 1889 هو بداية التاريخ الإسلامي الحقيقي في بريطانيا حيث تم في مدينة ليفربول افتتاح اول مسجد فيها ، وعلى الرغم من أن التجار اليمنيين والصوماليين قاموا ببناء مسجد صغير هو أقرب للمصلى وذلك خلال رحلاتهم التجارية بين عدن و كاردف، إلا أن الإسلام دخل المجتمع البريطاني عن طريق وليام هنري كويليام، وذلك بعد زيارته للمملكة المغربية وإعجابه بتعاليم الدين الإسلامي، فاعتنق الإسلام وسمى نفسه عبدالله كويليام ثم قام بأخذ بنائين جعلهما للأعمال الخيرية، ومستشفى يعالج فيه المسلمون .
وتبدو مظاهر الانتشار الكبير للإسلام في بريطانيا واضحة من خلال المساجد التي تم بناؤها، حيث تشير إحصائية لعدد المساجد إلى وجود 1500 مسجد، منها حوالي 200 بني خصيصاً ليكون جوامع، أما الباقي فهو نشأ بداية في بيوت صغيرة، ثم تحولت بسبب تزايد أعداد المصلين إلى مساجد من خلال شراء بيوت متلاصقة وهدمها وإعادة بنائها لتصبح مساجد للصلاة. ومن هذه المساجد مسجد الشاه جيهان في بلدة ووكينغ في ساري، ومسجد فاضل في غرب لندن ، مسجد بيل ستريت ، ومسجد غامكول شريف، وغيرها العديد من المساجد التي يرتادها المصلين وطالبي العلم والدعاة الذين يأتون من كل مكان لإلقاء محاضرتهم والدعوة لمبادئ الدين الصحيح، وشرح مبادئ العقيدة والفرائض وغيرها من الامور المهمة في الاسلام.
وقد شهدت بريطانيا تزايداً كبيراً في أعداد معتنقي الإسلام مقابل انخفاض نسبة المسيحيين بين السكان البريطانيين الأصل، وذلك حسب التقرير الذي نشره مكتب الاحصاءات الوطنية البريطاني عام 2011 بتراجع نسبة المسيحيين إلى (59% ) مقارنة بالعشر سنوات الماضية حيث كانت نسبتهم (71% ) بينما تتراوح أعداد المسلمين بحوالي ( مليونين ونصف ) منهم(50%) من مواليد بريطانيا .
وتعود اسباب التزايد الكبير في أعداد المسلمين في بريطانيا إلى ارتفاع معدل الهجرة إلى بريطانية حيث بلغت نسبة الوافدين المسلمين إلى بريطانيا حوالي (600 الف مسلم ) وذلك حسب احصائية في عام 2011، إضافة إلى تحول الكثير من البريطانيين إلى الإسلام بسبب ذلك وبسبب وجود العدد الكبير من المساجد والمراكز الإسلامية التي تقوم بالدعوات للإسلام، وقد لاقت تجاوباً كبيراً في المجتمع البريطاني، وقد كان أغلب المسلمين الجدد من صغار العمر الذين لم تتجاوز أعمارهم 25 عاماً، حيث يرون ان الدين الاسلامي استطاع حل العديد من المشاكل التي عجز عنها الدين المسيحي، مثل مسألة مساواة المرأة وحرب الكنيسة على المثلية الجنسية، أو منع الحمل والإجهاض.
وقد كان للمسلمين في بريطانيا مكانة سياسية وتجارية واجتماعية هامة، حيث يتواجد نسبة كبيرة من المسلمين في البرلمان و الشرطة والقوات المسلحة، حيث يتواجد حوالي 200 مستشار مسلم في مواقع فعالة، ويعود ذلك لمهارتهم و التزامهم وابداعهم وتطلعهم لبناء مجتمعهم وتحقيق العدل، كما أنهم يحصلون على التعليم والحرية في الدين و التعبير .
ومع ذلك فإن هنالك العديد من المشكلات والصعوبات التي تواجههم، وخاصة فيما يتعلق بقضية المرآة حيث يرون أن الإسلام يهدف إلى تهميش المرآة ، ومع ذلك فأن هنالك نسبة كبيرة من النساء اللواتي اعتنقن الإسلام بنسبة تتجاوز الثلثين ( وذلك حسب ما ذكرت صحيفة الايكونوميست البريطانية)، إضافة إلى مشكلات أخرى تتمثل حسب دراسة قامت بها مفوضية حقوق الإنسان في عام 2010 بتأثرهم بالقرارات المتعلقة بمكافحة الارهاب، وتجاهل لحقوقهم من قبل السياسيين، كما أن56% تعرضوا للإساءة اللفظية، و18% للإساءة البدنية، كما أن 93% منهم يعتبر أنهم تأثروا بالصورة السلبية التي يروجها الإعلام عن المسلمين والاسلام ، إضافة إلى تعرضهم للتمييز بالتعلم والعمل .
وقد كان لمسلمين بريطانيا دور متميز في دعم السوريين المتضررين من الحرب القائمة في بلادهم ، تمثل ذلك في عدة مجالات سواءً في مجال التعليم من خلال دعم المدارس والقيام بحملات تسعى للمساعدة قدر الإمكان بتحسين الوضع النفسي للأطفال بسبب ما تعرضوا له من خوف وعنف ، كذلك في مجال المساعدات الإنسانية وتقديم الدعم المادي للعائلات من خلال المنظمات الإنسانية ، كما أنه تم في بريطانيا من قبل هيئة الأعمال الخيرية إطلاق مبادرة(ضوء من صوت )التي جابت سبعة مدن بريطانية وهدفت إلى تقديم العون للاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوربا ، حيث أكد المدير التنفيذي لهيئة الأعمال الخيرية أنهم يسعون إلى تخصيص مساعدات ودعم للسوريين سواءً في المخيمات أو الموجودين في الداخل من خلال حملات الإغاثة والتبرع، وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن استضافة 20 ألف لاجئ سوري خلال خمسة سنوات القادمة، وتعيين وزيراً لشؤون اللاجئين السوريين.
وبذلك يكون للمسلمين في بريطانيا دور في تعزيز الإسلام ومكانته في بريطانيا على الرغم من المشكلات التي تعترضهم، كما انهم حققوا انجازات عظيمة في مجالات عملهم داخل المجتمع البريطاني، إضافة إلى اعمالهم الانسانية تجاه الشعوب التي تعاني أزمات وحروب وسعيهم إلى مد يد العون لهم.
المركز الصحفي السوري – باريزان اليوسف