نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن العلاقات بين مختلف الأعراق في تكساس التي ساءت خلال السنوات الأخيرة. في المقابل، يعتبر ضحايا فيضان هارفي محظوظين جدا لأن جيرانهم المسلمين قد منحوهم مساجدهم لتكون ملاجئ لهم.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، إن ارتفاع منسوب المياه، الذي تسبب فيه إعصار هارفي جعل الكثيرين يفقدون منازلهم. وفي الأثناء، فتحت المساجد في هذه الولاية أبوابها أمام الضحايا الأمريكيين من مختلف الأديان والمعتقدات. فضلا عن ذلك، وفّر المسلمون لهؤلاء الضحايا القهوة والشاي الدافئ وأطباق الأرز المعدة على الطريقة الباكستانية والسورية.
وأوردت الصحيفة أن عدد المسلمين الذين يعيشون في هيوستن، المدينة المشهورة بكثرة اختلاط الأعراق فيها، يفوق 25 ألف شخص. وقد كانت مساجدهم ومؤسساتهم الخيرية أول من بادر بفتح الأبواب خلال الكارثة الطبيعية، حتى توفر المؤونة والمأوى لجيرانها من المسلمين وغيرهم من المعتقدات الأخرى.
وفي هذا الصدد، ذكر السيد مسرور جافيد خان، رئيس الجمعية الإسلامية في هيوستن الكبرى، أن “ليس هناك مجال للتفكير عندما يتعلق الأمر بمساعدة الآخرين، يجب عليك عدم المناقشة أو المجادلة حول هذا الأمر، حيث يعد ذلك جزءا من إيماننا ومن إنسانيتنا. أشعر دائما أن الله قد خلقنا نحن البشر من أجل مساعدة بعضنا البعض”.
وأشارت الصحيفة إلى أن العائلات المسلمة قد احتفلت يوم الجمعة الماضي بعيد الأضحى، أحد أعظم الشعائر المقدسة التي تتزامن مع فترة الحج. ومن أبرز سمات هذا اليوم مد يد المساعدة للضعفاء.
ومن المثير للاهتمام أن من بين علامات الترحيب بضحايا الإعصار، مشهد وقوف العائلات في المركز الإسلامي ببراند لاين، في حين كانت تحمل بين يديها الحلويات والكعك السوري، لتقدمه للحشود المختلفة عنهم عقائديا. من جانبها، أوردت بعض القيادات الإسلامية أنه على الرغم من قدوم عدد كبير من المسلمين للمكان لإقامة صلاة العيد، إلا أن ضحايا الإعصار كان مرحبا بهم بينهم.
وفي هذا الإطار، أكد مسرور جافيد خان، الذي يدير المسجد الكبير وبعض المساجد الأخرى التي أمنت المأوى للمسلمين وغيرهم من المواطنين من الديانات الأخرى، أنه لن يتم إزعاج أي شخص موجود في ساحة المصلى أو يطلب منه مغادرة المكان. وأردف جافيد خان أن ضحايا الإعصار لهم الأولوية على حساب رواد المركز الإسلامي للصلاة. وفي هذا الصدد، قال جافيد خان: “حتى لو أجبر المسلمون على الصلاة في مأوى السيارات فسيقومون بذلك”.
وذكرت الصحيفة، نقلا عن آمنة أحمد، المنتسبة للجمعية الإسلامية في تريبلاكس، التابعة لمسجد بومونت، أن الجمعية قد تبرعت بمئات الوجبات، فضلا عن الرعاية الطبية التطوعية، للعديد من الضحايا الذين شردهم الفيضان. وأضافت آمنة أحمد أن المصلين في المسجد قد وزعوا ليلة الخميس قرابة 500 وجبة غذائية في اثنين من الملاجئ في المدينة.
والجدير بالذكر أن العلاقة بين المسلمين وجيرانهم في تكساس، وغيرها من المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة، شهدت توترات خطيرة عندما تعالت الأصوات الرافضة لوجود المسلمين فيها. وقد تزامن ذلك مع أعمال عنف وكراهية في حق المسلمين، ولكن ما حصل خلال هذه الأزمة كان مغايرا لكل التوقعات.
وأوردت الصحيفة على لسان منتصر قادري، أستاذ الطب والحامل للجنسيتين الأمريكية والسورية، أنه في أثناء جلوسه في الملجأ خلال هطول تلك الأمطار القوية، قدم رجلان، مفتولا العضلات يضعان وشوما، إلى المسجد حاملين على شاحنتهما قوارير الماء. في الواقع، وطدت هذه الأزمة العلاقة بين المسلمين وجيرانهم من الديانات والمعتقدات الأخرى، في حين حطمت كل المعتقدات الخاطئة التي يحملها كل طرف عن الآخر.
وفي هذا السياق، أفادت كاثرين ماكوسكر، إحدى المستفيدات من الرعاية التي وفرها المسلمون لها، أن “المسلمين مثل غيرهم من البشر، يعتنُون بالآخرين، ومُحبون وجيدون، فضلا عن أنهم كثيرو العطاء”. وأضافت ماكوسكر: “أشعر أني محظوظة لأنهم فتحوا لنا هذا الفضاء حتى يأوينا”.
ونقلت الصحافة مواقف غير المسلمين، الذين وجدوا دفئ الاستقبال في المساجد والمراكز الإسلامية. وقد تحدث هؤلاء كثيرا عن حفاوة المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي. كما أشاروا إلى أنهم استمتعوا بالعادات الإسلامية وحسن ضيافة المسلمين. في الوقت ذاته، أعجبت النساء بكيفية عزلهن عن الرجال ليلا، حيث استمتعن ببعض الخصوصية بين الأغراب.
وتطرقت الصحيفة إلى الجهود الطيبة التي قدمتها سايرا صديقي، التي كانت تساعد طواقم المتطوعين في معاينة النساء الحوامل والأطفال الصغار والعجز من مختلف الديانات والأعراق. وفي هذا الصدد، أوردت صديقي أن “قلوب الأشخاص لا تتغير بالحقائق والأرقام ولكن بالقصص الجميلة”. وأضافت صديقي، أن “هذه الكارثة حطمت كل الحدود المصطنعة، لقد كنا أشبه بجسد واحد، ومجتمع واحد، ومدينة واحدة. لقد توقفنا عن التفكير في اختلافاتنا وخلافاتنا. كل ما كان يجول في أذهاننا كيفية تقديم المساعدة”.
وفي الختام، أوردت الصحيفة على لسان سايرا صديقي، أن الوضع لن يستمر طويلا على ما هو عليه الآن، وستتغير القلوب مرة أخرى. ولكن كانت هذه الأزمة بمنزلة فرصة للجميع لمعرفة بعضهم البعض، وخطوة في طريق التغيير طويل الأمد.
عربي 21