رأي القدس العربي
صار معروفا طبعا أن الفكرة المتغطرسة بالقدرة على إدارة شؤون العالم العربيّ، بالتنسيق مع إسرائيل، صارت جزءا من منظومة تفكير حكام الإمارات العربية المتحدة، وإذا كان هذا الهاجس المستحكم لدى أبو ظبي قادرا على تفسير الكثير من السلوكيات السياسية وغير السياسية للإمارات، في العالم العربي وخارجه، وأن قوى كثيرة تتحسّب من مفاعيله، فإن المبالغة فيه تضطر الكثيرين لإعلان مواقف واضحة للفصل بين السياسة والوقاحة.
آخر هذه المواقف كانت قرارا عجيبا اتخذته أبو ظبي لإجلاء وجود سيّاح إماراتيين وإسرائيليين عالقين في المغرب بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد، واتفاقها مع تل أبيب على عملية إجلاء مشتركة بطائرة إماراتية من دون استشارة البلد المضيف، وذلك لحل مشكلة رفض الرباط استقبال رحلات شركة «العال» الإسرائيلية، أي أن أبو ظبي تطوّعت لحل مشكلة إسرائيلية من دون أخذ اعتبار للرباط أو أخذ استشارتها في الأمر.
ينبع التوتر في هذه الحادثة من كون سلطات المغرب كانت تعمل جاهدة على تأمين إجلاء كافة السياح الموجودين لديها إلى الأماكن الأصلية التي جاؤوا منها، وهو ما ترافق مع حملة من «الذباب الالكتروني» الإماراتي على شبكات التواصل الاجتماعي الذي يوجّه النقد الجارح للمغرب والملك محمد السادس والحكومة ويتهمهم بالفشل، ليصبّ كل هذا في طاحونة التحريض غير المسؤولة، ويضيف على التوترات المتراكمة بين البلدين.
لقد جاءت هذه «المبادرة الإنسانية» المتهافتة لأبو ظبي في الوقت الذي شهدت فيه علاقاتها مع الرباط تدهورا شديدا خلال هذا العام، حيث تعمدت أبو ظبي عدم تعيين سفير لها في المغرب كطريقة للضغط على الحكومة والشعب المغربيين على خلفية موقف الرباط المتوازن من الأزمة الخليجية، والرافض لحصار الإمارات والسعودية والبحرين لقطر.
يثير استقبال الرباط لسياح يحملون الجنسية الإسرائيلية، وهم في الغالب يهود من أصل مغربي، وكذلك فلسطينيون من مناطق 48، انتقادات منظمات مناصرة للفلسطينيين في المغرب، وينطبق الأمر على أشكال من التبادل التجاري والثقافي، غير أن السلطات المغربية تعتبر هذه الوقائع جزءا من موقف معتدل لا يغيّر مواقفها المبدئية تجاه الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، فإن الرباط لا تتخذ مواقف حادّة ضمن الاستقطابات الكبيرة الجارية في العالم العربي، وتحاول أن تبقي موقفا متوازنا، من وجهة نظرها على الأقل، ولعل هذا السلوك السياسيّ، من دون أن يقصد ربما، يفضح النظم السياسية المتطرفة والموتورة في العالم العربي، ويكشف زيف ادعاءاتها حول التسامح في الوقت الذي تنخرط بشكل دموي مباشر في دعم النظم العسكريّة والعداء للنظم التي تسمح بأشكال من التداول السياسي الديمقراطي، كما هو الحال في المغرب وتونس والأردن، والأسوأ من ذلك أنها، على ضآلة وزنها وتجربتها السياسيّة في المنطقة، تطالب أي دولة، بغض النظر عن وزنها ومعناها التاريخي والسياسي، أن تمالئها ممالأة تامة، وتخضع لأوامرها، وإذا كانت لا تستطيع غير تأليب «الذباب الالكتروني» وتأخير تعيين السفير في المغرب، فإنها في ساحات أخرى، لا تستنكف عن الاختلاف مع «حلفائها» الأقربين، وإنشاء ميليشياتها وسجونها واستئجار مرتزقتها و«اللعب» بالطريقة التي يعتقد حكامها الأنسب لمصالحهم، وليذهب الآخرون إلى الجحيم!