لم تغب التوترات عن مدينة السويداء رغم الاستقرار النسبي الذي استطاعت الحفاظ عليه طوال السنوات الأخيرة، وفي معظم الحالات كانت القوى الأمنية تقف خلف هذه التوترات، وعلى رأسها الأمن العسكري التابع لنظام الأسد والمدعوم من الروس.
وشكّل عزوف جزء كبير من شباب المحافظة عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية في قوات النظام مصدر “إزعاج” لدى هذه القوى التي تجد نفسها عاجزة عن اعتقال المتخلفين وسوقهم للخدمة، في ظل الإجماع الشعبي الذي تواجهه، والحماية التي توفرها “حركة رجال الكرامة” للشباب، وبهذا تتميز المحافظة عن جميع المناطق التي ما تزال تخضع لسيطرة النظام.
وقد شهدت السويداء خلال السنوات الأخيرة عدة مواجهات بين الأهالي والميليشيات المحلية المسلحة، جراء اعتقال عدد من الشباب لسوقهم للخدمة العسكرية، وكان آخر هذه المواجهات قبل أسابيع، حيث اعتقلت الشرطة في مدينة شهبا شاباً لتسليمه للشرطة العسكرية، لكن “رجال الكرامة” وقفوا في وجه هذه المحاولة.
بهدف المبادلة
وفي تطور لافت في المحافظة أقدم عناصر الأمن في التاسع من الشهر الجاري على اعتقال الناشط السياسي جبران مراد، وهو ناشط في الثورة السورية منذ عام 2011، وسبق أن اعتقله النظام 3 مرات، قبل أن يغادر السويداء إلى درعا ومنها إلى الأردن، جراء تهديد حياته، قبل أن يعود إلى بلدته القريا في ريف السويداء قبل نحو العام.
اعتقال جبران أثار حفيظة عائلته والأهالي تجاه قوى النظام الأمنية، فقام عدد من أصدقائه بخطف عنصري أمن من أحد الحواجز القريبة من القريا، وطلبت عائلته المساعدة من “رجال الكرامة”، وسرعان ما زاد عدد المخطوفين إلى أكثر من 9 عناصر، لتدور بعدها مفاوضات لإجراء عملية تبادل تضمن إطلاق سراح الناشط “مراد”، وفي هذا السياق قام العشرات من الأهالي- بعضهم مسلح- بمحاصرة مبنى قيادة الشرطة في المحافظة على مدى يومين، والتهديد باقتحامه في حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم، فتواصل الأمن مع عدد من الوجهاء المحليين لفك الحصار، مقدمين وعوداً بإطلاق سراح مراد، إلا أنهم لم يفوا بوعودهم حتى نهاية الأسبوع الفائت.
وأفادت مصادر مطلعة من محافظة السويداء لـ صدى الشام أن الأفرع نبهت عناصرها من خارج أبناء المحافظة من التنقل بشكل فردي، وأكدت ضرورة التخفيف قدر الإمكان من التحرك خارج إطار الدوريات الأمنية.
ولا تعتبر عملية خطف عناصر القوى الأمنية والعسكرية التابعين للنظام هذه الأولى من نوعها في المحافظة، حيث سبقها العديد من العمليات ليتم التفاوض على المخطوفين، إلا أنها المرة الأولى التي تتم من أجل إطلاق سراح معتقل سياسي معارض.
بعد خطف عناصر الأمن على خلفيه اعتقال الناشط السياسي جبران مراد، نبهت الأفرع عناصرها من خارج أبناء المحافظة من التنقل بشكل فردي، وأكدت ضرورة التخفيف قدر الامكان من التحرك خارج إطار الدوريات.
مساعٍ لإدارة الذاتية
لم يكن أهالي السويداء يوماً بعيدين عن الثورة السورية، وإن لم يشاركوا في الحراك بشكل واسع.
ويقول أحد الناشطين في المدينة لـ صدى الشام، إنه ورغم عدم حمل الأهالي للسلاح في وجه النظام لأسباب ومبررات يطول شرحها، فإنهم بالمقابل امتنعوا بغالبيتهم عن القتال إلى جانب قواته، وأضاف أن هناك أكثر من 18 ألف عائلة نازحة من مختلف المناطق السورية الثائرة وخاصة درعا التي ما تزال تعتمد على السويداء كمصدر رئيسٍ للوقود وجزء من المواد الغذائية والاحتياجات الرئيسة، التي تدخل إليها بشكل غير رسمي.
وتابع “منذ عام 2014 بدأ النظام ينسحب من أداء واجباته، حتى راح الأهالي يشعرون بغياب الدولة وخاصة في قضايا حفظ الأمن داخل المحافظة، ومؤخراً ظهرت تحركات أهلية لتشكيل هيئة اجتماعية تكون مهمتها الإشراف على إدارة المحافظة ومؤسساتها، وخاصة بعد أن تقدم رئيس فرع الأمن العسكري العميد وفيق ناصر بمبادرة قبل أسابيع لتشكيل هيئة مماثلة، تأخذ العديد من الصلاحيات ما يجعلها بمثابة حلقة الوصل ما بين المجتمع والنظام، وبالتالي يصبح ممثلو المحافظة أزلام النظام، الأمر الذي تم رفضه وبدأ مشايخ العقل و(هي السلطة الدينية العليا لدى الموحدين الدروز) بتشكيل هيئة مستقلة، فبدأت الأجهزة الأمنية بخلق الإشكالات لإشغال المجتمع عن إنجاز الهيئة”.
نتيجة غياب النظام عن اضطلاعه بواجباته حيال محافظة السويداء، فقد ظهرت تحركات أهلية لتشكيل هيئة اجتماعية تكون مهمتها الإشراف على المحافظة ومؤسساتها.
محور تجاذب
لم تقتصر التجاذبات حول إدارة السويداء على أطراف الصراع الداخلي، بل وصلت إلى القوى الاقليمية والدولية، حيث تحاول إيران وميليشياتها التقرب من أهالي المحافظة، عبر زيارة مشايخها ووجهائها والترويج إعلامياً لوجود علاقات قوية مع أبناء السويداء، وقد حاول الإيرانيون لقاء الأهالي لعرض فكرة تشكيل فصيل عسكري خاص بأبناء المحافظة مقابل رواتب شهرية وضمان صحي، إلا أنها لم تجد آذاناً مصغية من قبل الناس، وفقما ذكر مصدر مطلع لـ صدى الشام.
ولم تكن حظوظ روسيا أفضل مع الأهالي، الذين رفضوا عرض تشكيل فصيل خاص بهم ممول من الروس براتب 200 دولار شهرياً مع ضمان صحي أيضاً.
وجاء هذا الرفض رغم الفقر وضيق الحال الذي يعاني منه الشباب في المحافظة.
ويتخوف الأهالي من زجهم في صراعات المنطقة حيث يحاول الإيرانيون تثبيت وجود لهم في المنطقة الجنوبية، التي من المرجح أنها منطقة نفوذ أمريكية تتضمن السويداء التي تربط درعا بالبادية السورية.
وبحسب المصادر فإن “الخطر ما يزال قائماً، ومن الصعب معرفة ما يخبئ للمحافظة في المستقبل، وخاصة في ظل التوترات التي تعيشها هذه الأيام”.
عربي 21