لطالما تساءل البعض: لماذا تقف تلك الدول ذات الحكم الديكتاتوري التسلطي صفاً واحدأ إلى جانب بعضها البعض؟
من يريد أن يبحث عن الإجابة عليه أن يدقق في أحداث الثورة السورية الفاضحة للعالم, حيث تصطف التحالفات وتصنع الأحلاف, فمنذ البداية بات واضحاً للعيان مواقف الدول المختلفة من الثورة السورية والتي تراوحت بين مؤيد لها شكلاً ومضموناً, ومعارض لها شكلاً ومضموناً أيضاً, وداعما للنظام بشتى الوسائل السياسية والعسكرية ومعارض له وداعم للثوار ضده, ومن يدقق النظر أكثر سيلاحظ أن المحور المعادي للثورة السورية علانية هو المحور المتشكل من الدول التي تدور ضمن الفلك السوفييتي سابقا, بمعنى آخر هي تلك الدول ذات الأنظمة العسكرية الحاكمة, والتي تتبنى أفكارأ اشتراكية شوفينية متطرفة إضافة لإيران الدولة الدينية ذات المشروع الطائفي الراديكالي الذي يوافق القبضة الشمولية لتلك الأنظمة على مفاصل الحكم في بلدانها.
فحلفاء النظام الإشتراكيون لا يقفون في الظل, بل هم يعلنون دعمهم الكامل لحرب النظام السوري ضد شعبه لأنهم على دراية تامة بمصيرهم المحتوم في حال سقوط أحد هذه الانظمة الديكتاتورية العسكرية, والذي يشكل حلقة وصل في سلسلة المحور والحلف الشرقي القائم على أنقاض السوفيتية إن صح القول, فدول كجمهورية الصين الشعبية, وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وروسيا وكازخستان وإيران
وغيرها من الدول التي تتبنى الفكر الشمولي الذي يقوم على تقديس الشخص الواحد والحزب القائد, هي دول لا تتوانى عن دعم النظام السوري ضد الثورة السورية, لأن الحالة السورية هي نسخة مصغرة عن الحالة الجامعة لهذه الدول وهي الحكم الجبري الديكتاتوري..
بعد روسيا بالأمس, فنزويلا اليوم:
بالأمس القريب شهدنا مظاهرات نظمتها المعارضة الروسية خرجت في عشرات المدن رافضة ترشح الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لولاية رئاسية رابعة في العام 2018م, وقد تم فض بعض هذه المظاهرات بالقوة واعتقل عدد كبير من ناشطي المعارضة الروسية في مشهد يدل على أن الحراك الشعبي الروسي هو حراك موجود, وربما يحدث ما لن يكون في الحسبان وتكون روسيا على صفيح ساخن في لحظة فارقة..
واليوم تشهد المدن الفنزويلية حراكاً شعبيا من نوع آخر في مشهد يعبر هو الآخر عن مقدار الامتعاض الكبير للشعب الفنزويلي على تسلط أنصار الديكتاتور الفنزويلي الراحل “هوغو تشافيز” على مقاليد السلطة في البلاد لسنين طويلة.
وقائع الحراك:
بدأ كارلوس مورينو، وهو شاب فنزويلي يبلغ من العمر 17 عاماً، لتوه في دراسة علم الاقتصاد منذ شهر، بجامعة «فنزويلا المركزية» بالعاصمة كاراكاس. غير أنه قُتل منذ بضعة أيام بطلقة نارية، أصابته في رأسه خلال مسيرة احتجاجية، شارك فيها الملايين، وجابت شوارع فنزويلا للمطالبة بالديمقراطية.
وقال زملاء مورينو في المظاهرات، إنه قتل على يد أفراد ميليشيات مسلحة يستقلون دراجات نارية، وهذه الميليشيات موالية للحكومة الاشتراكية في البلاد. لكن زعيم المعارضة، هنريك كابريليس، قال إن دم مورينو في رقبة الرئيس نيكولاس مادورو.
وكتب كابريليس في تغريدة في حسابه على “تويتر” يقول إن “الجهة الوحيدة المسؤولة عن عملية القتل هذه هي مقر الإقامة الحافل بمظاهر الوحشية لنيكولاس مادورو”، مشيراً بذلكة إلى القصر الجمهوري بفنزويلا.
وكانت فنزويلا تعد الدولة الغنية البارزة في أميركا الجنوبية، إلى جانب كونها مقصداً سياحياً يلقى رواجاً، أما الآن، وبعد 18 عاماً من تبني نظام الحكم الاشتراكي، أصبحت هذه الدولة على شفا الانهيار، مع ظهور مخاوف من التحول إلى أوضاع أكثر سوءاً.
البرامج الاجتماعية هي حجر الزاوية للسلام الاجتماعي في فنزويلا، غير أنه مع تصاعد حركة الاحتجاجات وتزايد التوترات يبدو أن السلام الاجتماعي أصبح مراوغاً بشكل أكبر.
وفي كل يوم تقريباً يصطف مئات الآلاف من المواطنين في الشوارع، مشكلين بحراً من الأعلام الفنزويلية، التي تحمل الألوان الصفراء والزرقاء والحمراء، وهم يرددون الهتافات “لا ديكتاتورية بعد اليوم”، و”نعم، نحن نستطيع”.
وقتل سبعة من المحتجين، وجندي من الحرس الوطني، وأحد المارة، وسط أعمال القمع العنيفة من جانب الشرطة التي رصدتها الكاميرات، وهي تطلق قنابل الغاز المسيل للدموع وتضرب المحتجين، وأصيب واحتجز مئات آخرون.
المعني بكل هذه العبارات التي يطلقها الشعب الفنزويلي هو الرئيس الحالي للبلاد مادورو الذي كان يعمل من قبل سائقاً للحافلات العامة, وقد تقلد منصب الرئيس الراحل هوغو تشافيز الرجل الأبرز المسئوول عن إرساء حكم الإشتراكية في فنزويلا.
وعلى الرغم من محاولات تنحيته عن الحكم من خلال إجراء استفتاء جماهيري لعزله، فإنه شدد قبضته على السلطة خلال الأشهر الأخيرة، بينما يرى الكثيرون أنه فقد القدرة على رؤية الأوضاع الحقيقية التي تمر بها البلاد.
الغريب العجيب أن يكرر مادورو تلك التهم التي أطلقها من قبله حليفه بشار الأسد على المتظاهرين والمحتجين في فنزويلا, من خلال وصقهم بأنهم دمى إرهابية تستخدمها الولايات المتحدة ضد نظام الحكم في البلاد التي تكاد تصبح عملتها الرسمية بلا قيمة, إضافة إلى أزمة غذائية غير مسبوقة في دولة تمتلك مقومات نفطية تجعلها في مصاف الدول الغنية.
تعاني شعوب كل هذه الدول المذكورة وعلى رأسها فنزويلا من تسلط فئة مافيوية أو عائلية باسم التبعية الحزبية الإشتراكية على مقاليد السلطة, في حين ترزح شعوبها تحت نير الفقر والظلم والاستبداد في ذات الوقت الذي تنتعش فيه الشعوب الأخرى المحكومة من قبل حكومات منبثقة من تجربة ديمقراطية تطور نفسها باستمرار, وهذا السبب تحديدا, يشعر كل هذه الحكومات المتسلطة والمتحالفة مع بعضها بمدى خطورة الوضع في حال نجحت إحدى الثورات فيها, لذلك تدعم كل هذه الحكومات الشوفينية النظام السوري للمحافظة على ترابط عقد الديكتاتورية المهدد بالإنهيار في أي لحظة, رغم استعراض العضلات الكبير الذي تقوم به هذه الحكومات على الطريقية الكورية الشمالية “المجنونة” مثلاً..
المركز الصحفي السوري- حازم الحلبي.