وكشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية النقاب عن مذكرة داخلية مسربة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية في سوريا، لا تكشف فقط عن لجوء المكتب إلى الصمت عن المجاعة في مضايا بل انصياعه لرغبة الحكومة السورية بالموافقة على تصنيف البلدة ضمن المناطق التي يصعب الوصول إليها، لا المناطق المحاصرة.
وتقول الأمم المتحدة إن أربعة ملايين ونصف مليون من السوريين يعيشون في مناطق يصعب إيصال المساعدات الإنسانية إليها، وإن أربعمئة ألف محاصرون كليا في 15 منطقة. ووفقا لمكتب تنسيق المساعدات الإنسانية فإن 180 ألفا من هؤلاء تحاصرهم قوات النظام السوري، ومئتي ألف يحاصرهمتنظيم الدولة، بينما تحاصر فصائل مسلحة أخرى نحو 12 ألفا.
وينفي فرحان حق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أن المنظمة لم تنبه إلى خطورة الوضع الإنساني المتدهور في مضايا إلا حينما نُشرت صور الجوعى في وسائل الإعلام.
وقال ردا على سؤال لمراسل الجزيرة إن ما نشر بهذا الشأن غير دقيق، وإن المنظمة نبهت في بيانات صحفية مرارا إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في المناطق المحاصرة، مضيفا أن المنظمة حاولت ست مرات خلال العام الماضي إدخال مساعدات إنسانية إلى مضايا، وأنها أدخلت بالفعل مساعدات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ثم أجلت مجموعة من الجرحى من البلدة في ديسمبر/كانون الأول، وأنها في المناسبتين نبهت إلى خطورة الوضع في مضايا.
وذكّر المسؤول الأممي بانتقادات المنظمة العلنية لأطراف الصراع في سوريا لاستخدامها التجويع سلاحا وهو ما يمثل جريمة حرب يجب -بحسب قوله- أن لا يفلت مرتكبوها من المحاسبة.
وأضاف أن المنظمة كانت بحاجة إلى الدخول إلى مضايا كي تقيم الوضع عن قرب، وأنه حينما تم ذلك نقل موظفوها صورة عن مدى فداحة المشكلة وجسامة الانتهاك للقانون الإنساني الدولي من قبل أطراف الصراع.
فرحان حق: المنظمة نبّهت في بيانات صحفية مرارا إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في المناطق المحاصرة (الجزيرة) |
سخط الإغاثيين
وأثارت الأوضاع المأساوية التي تكشفت في مضايا والتي وضعتها في مرتبة الأسوأ على الإطلاق بين المناطق المحاصرة، غضب العاملين في مجال الإغاثة داخل سوريا على الأمم المتحدة.
ففي رسالة مفتوحة نشرت مؤخرا، اتهم 112 من العاملين في الإغاثة داخل المناطق المحاصرة الأممَ المتحدة بتملق النظام والخضوع له وإعطاء أولوية للحفاظ على العلاقة معه حتى إن جاء ذلك على حساب حياة الجوعى في مضايا.
وذهب الموقعون على الرسالة إلى درجة اتهام المنظمة بالتآمر مع النظام، لا سيما أن المنظمة لا تحتاج إلى إذن من النظام السوري كي تدخل المساعدات إلى مضايا أو غيرها، إذ منحتها أربعة قرارات صادرة عنمجلس الأمن حق إيصال المساعدات عبر الحدود وعبر خطوط القتال.
ويستبعد الخبير في شؤون الأمم المتحدة عبد الحميد صيام تآمر المنظمة مع النظام، مضيفا أن أمرا كهذا يخل بحيادها، لكن صيام قال إن الأمم المتحدة أذعنت للنظام السوري وداهنته كما فعلت مع حكومات وأنظمة أخرى.
وأضاف -في تصريح للجزيرة- أن مسؤولي المنظمة يفعلون ذلك من أجل تحقيق هدف أسمى في رأيهم، هو مساعدة المنكوبين وإيصال الإغاثة إليهم.
ويتابع صيام أنها ليست المرة الأولى التي تفعل فيها المنظمة ذلك، مشيرا إلى أن ثمة حالات مشابهة حدثت في اليمن ودارفور والصومال وجورجيا، وقامت فيها المنظمة بمساومات من أجل إيصال مساعدات.
ويقول الخبير إن مسؤولي الأمم المتحدة يرون أن إيصال المساعدات لمن يحتاجها أهم من قول الحقيقة كاملة مع ما قد ينجم عن ذلك من خسارة للموقع وربما الطرد كما حدث أكثر من مرة، وهو ما يعني بقاء المنكوبين دون إغاثة.
وكان ستيفن أوبراين مساعد الأمين العام لشؤون تنسيق المساعدات الإنسانية رد على رسالة العاملين في مجال الإغاثة في سوريا بالتأكيد على أن المنظمة ليست متحيزة لأي طرف، وأنها لا تتصرف على أي نحو يمكن أن يشجع على استخدام الحصار “تكتيكا”.
وأضاف أن من واجب المنظمة العمل بحياد واستقلالية وأن تبقى على تواصل مع جميع الأطراف كي تضمن وصولا آمنا دون عوائق لكل المستهدفين والمحتاجين بمعزل عن الأسباب التي ولدت هذه الحاجة.