في خطوة يمكن وصفها بالاستباقية، تسعى حكومة بشار الأسد، لإعادة تأهيل وتشغيل حقول النفط ومواقع إنتاج الكهرباء، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتنظيم “داعش”، والتي بدأت تستعيدها في شمالي شرق وغرب سورية، عبر شركاء الحرب في موسكو.
واتخذ النظام السوري، كل ما يلزم لتسليم الشركات الروسية ملف إدارة وتشغيل قطاع الطاقة، وقوننة ذلك، عبر استصدار قانون التشاركية مع القطاع الخاص والشركات الخارجية، مطلع العام الجاري، أو ما يتعلق بالوعود التي خرجت الشهر الماضي، عبر “وثيقة انتداب” التي كشف عنها الإعلام الروسي، بعد توقيع الأسد عليها في موسكو، والمؤلفة من عشر فقرات، تتيح لروسيا التصرف والاستثمار، ولا تحق مطالبتها بالانسحاب إلا عبر طلب مكتوب.
ومهد اللقاء الأخير لزيارة وفد سوري برئاسة قيس خضر، رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، موسكو قبل أيام، التقى خلالها مع المسؤولين في وزارة الطاقة الروسية وعدد من ممثلي الشركات الروسية المهتمة بالاستثمار في قطاع الطاقة.ويفيد تقرير حديث، نشرته وكالة “نوفستي الروسية” أن سفير سورية في موسكو، رياض حداد، عقد لقاء مع رئيس شركة الغاز الروسية “غازبروم”، ألكسي ميللر، وبحثا آفاق التعاون ومنح الشركات الروسية استثمارات بالنفط والطاقة.
وقال خضر، وفق ما نشر موقع “بزنس تو بزنس” السوري المقرب من الأسد، إن اللقاء تناول مسائل التعاون المشترك في مجال الطاقة ولاسيما في قطاعي النفط والكهرباء، وخلال الزيارة قدم ممثلو الجانب السوري عرضاً مفصلاً عن واقع قطاع الطاقة في سورية والآفاق الواعدة لاستثمارها، وخاصة في فترة ما بعد الأزمة في سورية وإعادة الإعمار.
ولفت المسؤول السوري، إلى أن الوفد الفني أودع لدى الشركات الروسية المهتمة بالاستثمار في سورية، كل المقترحات الاستثمارية على أن تتم دراستها من الشركات الروسية، واتفق الجانبان على استمرار التنسيق المشترك بهدف الوصول إلى صيغ تعاون مشتركة تلبي مصلحة الطرفين آخذين بعين الاعتبار الأوضاع الراهنة والفرص المستقبلية الواعدة.
وأضاف رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي السورية أن هذه الزيارة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وما يتم حالياً هو استمرار للتفاوض والتنسيق بين الجانبين السوري الروسي للوصول إلى أفضل صيغ الاستثمار.
من لا يملك لمن لا يستحق
وتعليقاً على هذه التحركات يقول نائب رئيس الائتلاف السوري المعارض وعضو اللجنة القانونية، هشام مروة، إن تصرفات النظام ليست قانونية وهي محاولة لشراء دعم الروس العسكري عبر الاستثمارات والاغراءات، ليكونوا لاعبين أكثر بالملف السوري.
ويضيف مروة لـ”العربي الجديد”: هذه الاتفاقات، إضافة لما سبقها، هي اتفاقات من لا يملك لمن لا يستحق، والطعن فيها من الناحية القانونية جائز وفق القانون الدولي، لأنها تصدر عن هيئة غير شرعية، ولعل الأسد يعي أن الروس يسعون لقطع إمداد الغاز القطري عبر تركيا باتجاه أوروبا، لذا يقدّم لهم هذه الإغراءات التي تتضمن الاكتشافات النفطية على الساحل السوري الذي يسيطر عليه، قبل أن يقدم فرصاً استثمارية بالكهرباء والنفط، في مناطق الحرب والتي لا يسيطر عليها.
وكانت حكومة دمشق قد أعلنت بعيد الثورة عام 2011 عن طرح مناقصة عالمية لأعمال التنقيب والاستكشاف واستغلال لموارد النفط والغاز في بعض مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط التابعة للمياه الإقليمية السورية، بعد المسح الجيولوجي الأميركي، الذي أُجري في حوض شرق المتوسط عام 2010، وقدّر وجود احتياطي يصل إلى 3450 مليار متر مكعّب من الغاز و1.7 مليار برميل نفط في المياه الإقليمية السورية.وبدأت شركة “سيوز نفتا غاز” الروسية العمل فعلياً للاستكشاف والتنقيب عن الغاز والنفط بالساحل السوري، بناء على اتفاقية وقعتها مع حكومة الأسد عام 2013، بعد تقسيم المياه الإقليمية إلى خمسة قطاعات، تغطي المساحات المتاحة للتنقيب والاستكشاف، وبدأت الآن الشركة الروسية بالتنقيب في القطاع رقم 2 الممتد من جنوب شاطئ طرطوس إلى محاذاة مدينة بانياس وبعمق حدود المياه الإقليمية بمساحة إجمالية تصل إلى 2190 كيلومتراً مربعاً.
ويقول الاقتصادي السوري صلاح يوسف: ” رغم أن أسعار النفط لم تعد مغرية للمجازفة، كما أن منح الروس الاستثمار بالكهرباء وتأهيل الحقول والمواقع، يكاد يكون نظرياً، بواقع الحرب وعدم سيطرة الأسد عليها، إلا أن ذلك يؤشر لما يعد له نظام بشار الأسد، سواء لجهة تمليك الروس لتسديد الديون، عبر اتفاقات طويلة الأمد، تتيح لهم البقاء بسورية وفق اتفاقات موثقة وقانونية، حتى بعد رحيله”.
العربي الجديد