الانفعال الأردني الشديد الذي أعقب العملية الإرهابية التي قتلت وجرحت نحو 20 فرداً من القوات الأمنية الأردنية في منطقة الركبان على الحدود مع سورية، يوحي بأنّ عمّان لم تكن تتوقع مثل هذا الهجوم، أو أنّ المملكة في منأى عن الاستهداف من قبل التنظيمات الإرهابية التي يشارك الأردن في التحالف الدولي ضدها.
وجاء اعتبار المناطق الحدودية الشمالية (مع سورية) والشمالية الشرقية (مع العراق) مناطق عسكرية مغلقة، ليعاظم من الانفعال الذي يغلق المنافذ أمام اللاجئين الهاربين من جحيم الإرهاب، ويضاعف عذابهم، ويجعل تعهدات الأردن أمام المجتمع الدولي عرضة للتآكل.
وربما يكون مع الأردن الكثير من الحق في إجراءات كهذه، فالبلد الصغير الشحيح الإمكانات والموارد، وأكثر بلدان العالم فقراً بالمياه، يستضيف، وفق الأمم المتحدة، نحو 630 ألف لاجئ سوري، بينما تقول السلطات إن المملكة تستضيف نحو 1.4 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سورية في آذار (مارس) 2011، وهؤلاء يضغطون على البنية التحتية للبلد الذي بلغت مديونيته 35 بليون دولار.
ويواجه الأردن إشكالية صعبة في التوفيق بين دوره الأمني والإنساني في ما يتعلق باللاجئين السوريين. كما يواجه في الداخل دعوات لإغلاق حدوده نهائياً وعدم استقبال أحد، فيما ترتفع أصوات تدعو إلى التنسيق مع جيش بشار الأسد والجيش الروسي (وربما الميليشيات الإيرانية) للقضاء على “الإرهاب”، وهو أمر يدعو إلى الضحك أكثر من الفجيعة والخيبة.
وما يضاعف الرغبة في الضحك الأسود ما صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين السورية التي قالت، وفق “سانا”، إن “الجمهورية العربية السورية تدين بشدة الاعتداء الإرهابي الذي وقع في الأردن (…) الذي يؤكد مجدداً أنّ الإرهاب لا حدود له، ولا أحد بمنأى عنه، وقد نبهت سورية مراراً إلى أنّ الإرهاب سيرتد على داعميه، كما أكدت الدوام استعدادها للتعاون مع الأشقاء في مكافحة الإرهاب وحماية أمن واستقرار المنطقة”!
ولعل شيئاً من التبسيط يغدو ضرورياً مع الضحك الأسود. فمن أنتج الإرهاب، ومن رعاه وغذاه، ومن جعل أعداد القتلى والجرحى الذين سقطوا في سورية، منذ مقتل أول شخص مدني في درعا، يبلغ نحو مليوني قتيل وجريح، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؟
ربما لا تكون ثمة فائدة من الاستطراد، وتعريف المعرّف، والتذكير بصواريخ سكود والبراميل المتفجّرة التي هطلت على المدنيين، وليس على إسرائيل. لكنّ ثمة ضـرورة فـي القـول إنّ الإرادة الدوليــة التي تــلوم الأردن على إغــلاق حدوده، هي التي تساهم، من حيث تدري ولا تدري، في تغذية الإرهاب عبر إغماض العينين والعقل وتعطيل الحواس كافة إزاء جرائم الأسد الذي لا يهدّد الأردن (الذي يتباكى عليه) وإنما يرمي إلى تفخيخ المنطقة، محمولاً على رغبة إيرانية بالانتقام والتوسع والتبشير، وكذلك على نزق روسي شاءت المصادفات أن يتوافق مع أجندة الأسد، ومع انسحاب الولايات المتحدة إلى الظل، وانكفاء أوروبا عن بذل أي مجهود، والإصغاء العميق إلى مخاوف إسرائيل التي تفضّل الأسد (الذي يحتفط مع أبيه بحق الرد منذ أكثر من نصف قرن) على أي شخص أو هيئة تأتي في اليوم التالي لرحيله أو سقوطه.
الأردن، إذاً، في ورطة إن لم يهبّ العالم لمساندته في هذه المحنة، لا سيما أن الحادثة الأخيرة، ومن قبلها حادثة مخابرات البقعة (وسط)، ومن قبلها تفكيك الخلية الإرهابية في إربد (شمال) تؤكد أنّ المملكة صارت في قلب تفكير الجماعات والميلشيات والدول الإرهابية.
الأمل معقود على انتصار الحكمة، وامتصاص الصدمة، ورصّ الصفوف في البلد الذي يعاني أزمة اقتصادية وسياسية خانقة، ويعتزم إجراء انتخابات على وقع رفع أسعار، ورفع درجة الغليان والتأهب لأي احتمالات أو اختراقات تمكّن قوى الظلام من النيل من هذا البلد الذي يرجو أهله ومحبّوه وأصدقاؤه أن يظل واحة للأمن والأمان.
الحياة